الثلاثاء، 14 يونيو 2011

سيدي الرئيس .. هذا دحلان الذي نعرفه

الانتفاضة الأولى، كانت علامة فارقة في تاريخ الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج وعلامة نمو جديدة للوعي الثوري الوطني, حيث كان قديما الثائر هو من يحمل البندقية ويجابه الاحتلال في الميادين وعلى كثرتهم لم يمثلوا عددا داخل فلسطين وإنما تواجد المسلحون بالخارج في الشتات، وحين جاءت الانتفاضة الأولى غيرت مفهوم الثائر ليصبح هناك ثوار جدد صغار حاملي حجارة بدل البندقية، وانتقلت المواجهة من الخارج إلى الداخل لتكتمل الصورة الثورية وليعمم مفهوم الثائر على كل من يحمل حجر في الأراضي المحتلة, كما ظهرت طبقة ثورية جديدة وإن كانت فاعلة من ذي قبل تتمثل في انطلاقة حركة حماس بوجه إسلامي مقاوم جديد وبروز مجموعات فتحاوية شابة قادت العمل التنظيمي وعلى وجه الخصوص في قطاع غزة ولهم في المقابل اخوة في الضفة الغربية, هؤلاء الشباب كانوا أعضاء قيادة موحدة وهم في العشرينيات والثلاثينيات من أعمارهم, وكان جزء منهم يقود العمل الشبيبي في القطاع, ليختلط الفريقان تحت مظلة واحدة ويقودوا العمل التنظيمي في قطاع غزة.
عندما أعود بذاكرتي أو بقراءتي وسمعي للحياة التنظيمية في الانتفاضة الأولى تصيبني غبطة وإحباط شديد ليس لأنها كانت سيئة وإنما لحسرتي عليها وتمني عودتها, كانت الخلافات لا تذكر, والأخلاق التنظيمية نموذج مهم والعرف التنظيمي يحكم الصغير والكبير, وكان هناك صغارا كبار يقودوا فتح ومعها باقي التنظيمات من خلال القيادة الموحدة, كان النقاء والإخاء والمحبة لغة الكل الفتحاوي, حتى العلاقة مع الأطر التنظيمية الأخرى كان بها شرف واعتراف بالآخر وإقرار بحقوقه.
محمد دحلان, كان أحد هؤلاء الشباب الذين نسجوا شخوصهم من خلال احترام وتقدير الشباب الفتحاوي لهم, وعندما يذكر اسم أحدهم أو يحضر جلسة أو محفل يعم الترحيب والتهليل المكان أمثال محمود أبو مذكور (أبو الظافر), في حين أن ذكر أحد أسماء الآباء يجمد الكلام على الألسنة وتنتصب له القامات طوعا مثل المؤسس ياسر عرفات وأبو جهاد وأبو اياد وغيرهم من الكبار.
إلى أن اقترب السلام وهدأت الانتفاضة المجيدة وبعد أن كان الفتحاوي أشد المناضلين خطرا وعداء لإسرائيل أصبح صديق وغير مؤذي للاحتلال طبعا وفق النظرة السائدة, حتى أن ما تبقى من صقور فتح أصبحوا أفراد عاديون لا خطر عليهم ولا خشية منهم, ودخل السلام مراحله التنفيذية وعادت السلطة الفلسطينية وكان مركز ثقلهم قطاع غزة.
جاءت السلطة بجيش من العائدين منهم الفتحاوي واليساري والمستقل وكان لا بد من احتواء أبناء فتح الداخل في أروقة السلطة, وهم لم يكونوا تنظيميا بحجم القادمين, نعم هم قادوا العمل التنظيمي منذ نهاية السبعينيات في قطاع غزة ولكنهم أمام أعضاء اللجنة المركزية صغار وهم يقرون بذلك, وللتنويه فقط فقدت عذرية الأخلاق التنظيمية في الداخل وبدأت رحلة المصالح الشخصية باستيراد من الخارج, بمعنى أن هذا الكم من أبناء التنظيم في غزة شعروا أنهم بحاجة إلى ثقل حقيقي يجمعهم ويميزهم داخل أجهزة السلطة الفلسطينية, وكان دحلان عائدا قويا ومقربا جدا للراحل أبو عمار, وهذا ما ساعده على تحقيق طموحه آنذاك وجمع شمل إخوانه ورفاقه تحت مظلة واحدة وكان الأمن الوقائي.
جمع الأمن الوقائي معظم الشباب الذين قادوا الحركة في غزة على مدار الانتفاضة الأولى هؤلاء الأسرى السابقون والمصابون والمطاردون والأنقياء وكان يقودهم محمد دحلان, وكانت المرحلة تتسم بسمات لم يعتادوا عليها حيث عليهم تقبل أنهم في جهاز يقوم بالتنسيق مع الاحتلال, يقوم بملاحقة وسجن إخوانهم في حماس والجهاد, كان شيء جديد عليهم وغير مقبول ولكنه واقع, فمحمد دحلان كان الذراع الأيمن والأقوى للقائد عرفات, وكان الأقدر على تنفيذ سياسة السلطة, إلى جانب أن طموحه الجامح (ولا عيب في الطموح) هو الذي دفعه ليتجاوز محطات كثيرة كان لا يمكن تجاوزها من قبل, وبدأ باستخدام أدوات مرحلية لا تتناسب مع اسمه وتاريخه حتى أن جزء كبير من تلك الأدوات كانوا أسماء وطنية بامتياز في مرحلة الانتفاضة, ومن هنا بدأ الاختلاف, وتبدل الاسم النقي إلى اسم ارتبط بالأمن والتنسيق.
بدأت انتفاضة الأقصى بالاشتعال وتبدل دور الأمن الوقائي من التنسيق إلى التصدي والدعم بكافة أشكاله واحتواء الحالات, وبدأت مؤسسات السلطة تتداعى وتنهار تحت وطأة القصف الاسرائيلي, وانتشر السلاح في الشارع الفلسطيني في يد المقاومين وغير المقاومين, وعم الانفلات الأمني, وأصبح من المستحيل ضبط الشارع الغزي لعدة اعتبارات أهمها: أن اسرائيل دمرت وتدمر معظم مقرات السلطة الفلسطينية وبالتالي البنية التحتية للسلطة, وانتشار السلاح بشكل مهول بحيث أصبح كل بيت فلسطيني لا يخلو من السلاح المقاوم أحيانا وأحيانا مأجور وعميل وهمجي, إلى جانب أن حركة حماس بدأت تسترد عافيتها وقوتها وقدراتها وتطورها وكانت نظرتها إلى السلطة سوداوية، نظرة المظلوم إلى ظالمه، والسجين إلى سجانه ومعذبه وبالتالي بدأت بالتصدي للسلطة ومعاملتها بندية وعدم تسليم وبالتالي أصبحت السلطة أمام منعطف جديد وخطير.
ساءت علاقة دحلان مع الراحل أبو عمار فطموح دحلان والجيل الشاب ارتطم ببقاء اللجنة المركزية التي لا تقبل التغيير ونظرا لارتباطهم التاريخي مع أبو عمار شعر أن دحلان يناكفه ويمثل خطرا عليه هو شخصيا ومن هنا بدأ الخلاف حين دعم دحلان السيد محمود عباس لرئاسة الوزراء التي كان يرفضها أبو عمار ويشعر أنها ستحد من صلاحياته، وبدأ الاصطفاف وأصبح هناك تيار الشرعية أي أبو عمار والتوجه دحلان ومعه مجموعة تنظيمية كبيرة وتمادى كثيرا دحلان في حق أعضاء اللجنة المركزية وأغضب أبو عمار كثيرا بل ونازعه السلطة, ولم يكن في حينه دحلان عضو لجنة مركزية ورغم ذلك لم يقدم القائد عرفات على اتخاذ قرار إقصائي بحق دحلان ولم يجمده ولم يفصله, حتى اللجنة المركزية لم تقدم على شيء من هذا القبيل, ربما لأن دحلان كان يمتلك الجغرافيا ولكن الأهم أن أبو عمار والد وأب ويحتضن ويبتلع وقد يلفظ ولكنه لم يكسر عظام ولم يعدم, رغم أنه كان الاقدر على ذلك بحكم كل شيء, كما أنه لم يقصي رفيق دربه محمود عباس الذي جاء ينازعه الصلاحيات وفق رؤيته, لأنه الأب.
جاءت النتيجة الطبيعية للفساد الإداري والمالي والاصطفاف ونفور الناس وظلم الأدوات الفاسدة والانفلات الأمني وعدم احترام المكان ولا السكان, ونجح المنافس المقاوم الذي لم يعرفه الناس إلا من خلال بندقيته, وبدأ عدم التقبل والتناحر والمناكفة واستعجال الوصول للسطلة وسيطرة حماس بالقوة على قطاع غزة, لتبدأ مرحلة شتات جديدة وانقسام أسود وانفصال شقي الوطن, وأصبحت غزة توصم أمام العالم بالظلام والإرهاب وبدأ العقاب الجماعي لغزة كل غزة من المجتمع الدولي, وظهر عقاب أخوي جديد تمثل في قرارات السيد الرئيس باستبعاد غزة من المسيرة الحياتية والحياة السياسية، وأبناء فتح والسلطة في غزة تم نفيهم في وطنهم، وحملت مسؤولية ضياع غزة لشخوص بعينهم في حين أن المسئولية تقع على كل القيادة الفتحاوية والسلطوية فهي من أوصل الناس لعدم انتخابهم، وجعل جزء كبير من فتح ينفر منهم، ودفع حماس للانفراد بالسلطة في غزة في ظل عدم وجود أجهزة تدافع عن بنيتها.
رحل دحلان وجزء كبير من رفاقه عن غزة إلى الضفة الغربية ومصر, وفقد دحلان الجغرافيا والمناصرة والحشود وأصبح التواصل ضعيف وغير قادر على الصمود, ليشعر دحلان بضعف غير مسبوق وهو الذي اعتاد على التحدي ونزع رغباته وحقوقه بالقوة, اليوم أصبح بلا امتداد وبلا عتاد, وأصبح أبناء فتح في غزة فاقدين الثقة في الجميع، وأصبح غير قادر على تلبية احتياجات أنصاره في غزة، فقرارات الرئيس واضحة ولا لبس فيها بوقف كل ما يتعلق بشئون غزة.
وسرعان ما طفا على المشهد الفتحاوي خلاف جديد, ولكن هذه المرة بين الأصدقاء القدامى, بين الرئيس عباس ودحلان, القول إن الخلاف بسبب تطاول دحلان على أبناء الرئيس، وكان يمكن أن تصدق الناس هذا ولكن حجم ردة فعل الرئيس العنيفة والمتسارعة تضع تساؤلات عدة حول سبب الخلاف غير المبرر, دحلان في السابق تحدى العملاق المؤسس أبو عمار لينصب أبو مازن رئيس وزراء واليوم يتصدى له ولأبنائه وأبو مازن يستميت ليقصيه عن المشهد السياسي, وتبادلوا التهم التي تدين الطرفين, وإن كانت اتهاماتهم سليمة لماذا ظهرت الآن وليس قبل الخلاف لماذا تسترتم على بعض طوال الفترة الماضية, إن كان دحلان قاتل فلماذا لم تقدمه سيدي الرئيس للمحاكمة قبل اليوم وإن كان مختلس لماذا لم تحله للقضاء سابقا, هل كان يجب أن تختلف معه لتفضح عوراته, ولماذا يا أخ محمد دحلان تسترت على اختلاس الرئيس لمبالغ طوال أيام مضت وأظهرتها اليوم, يا سادة نحن لنا عقول نفكر فيها واستخفافكم بنا لا يزيدكم سوى بعد عن الناس, لموا خلافاتكم بعيدا عن الإعلام أو اعلنوا عن سببه الحقيقي, عليكم أن تقدموا لفتح أكثر من ذلك, فتح التي أعطتكم أسماءكم ومسمياتكم تطلب اليوم منكم لملمتها واحترام أبناءها، يا سادة اعتبروا من غيركم فقبل أيام طفا خلاف على الاعلام بين السيد مشعل والزهار ولكن ما أسرع أن توارى ودمل حتى وإن كان بشكل غير فعلي ولكن أمام الناس انتهى، هكذا تكون العلاقات التنظيمية لا الإقصاء والتخوين وتبادل التهم.
سيدي الرئيس تعمدت أن أذكر لك ما في خاطرنا عن دحلان, وماذا يمثل لأبناء قطاع غزة،  ذلك الشاب الذي تربى وترعرع على حب إخوانه له وحبه لهم, هو الذي ينصرهم وينصروه، يعرفهم ويعرفوه, يظلمهم ويغفروا له, لذا سيدي الرئيس لن أتحدث عن قانونية قراركم بفصل دحلان من الحركة فهناك جهات اختصاص أكثر مني, ولكن بالعرف والدفء التنظيمي والأخوة التي تربط الجميع فينا أطلب منك العودة عن قرارك ولم الشمل الفتحاوي ورأب الصدع والتحام الصورة, فالوطن يحتاج إلى فتح التي بدأت لكي تكمل, حتى حماس المنافس الأول لكم في الساحة لا تكتمل صورتها إلا بوجود منافس قوي.
سيدي الرئيس عندما أتحدث عن دحلان لا أتحدث عن ذاته وشخصه ولكنه كبر بين إخوان له تعودوا نصرته ونصرتك, هم من حملوا صورك قبل الجميع ونادوا باسمك حين كان محرم, وهتفوا لك حين نجحت, هم لك ولفتح فلا تقصهم ولا تناصبهم العداء وأسدل ستار المشهد الخلافي, ليلتئم الجرح الذي إن لم يندمل سيمرض كل الجسد.

السبت، 11 يونيو 2011

المبادرة الفرنسية وإستحقاق أيلول


 
تمر السلطة الوطنية الفلسطينية بمجموعة من الأزمات والضغوط الداخلية والخارجية وهذا شيء طبيعي نسبة إلى سلطة تدير شئون مواطنيها تحت الاحتلال الفعلي والمعنوي، وأهم تلك الأزمات هي أزمة المرجعية الدولية أو الراعي الدولي فالولايات المتحدة الأمريكية هي الراعي الأول لأي مفاوضات أو مؤتمر سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومنذ اللحظة الأولى ومع أول مؤتمر للسلام في مدريد كان واضحا تحيز الراعي الأمريكي للمفاوض الإسرائيلي والمصالح الإسرائيلية وإن كان تحيزا غير معلن وبالعودة إلى التاريخ القريب نجد الراعي الأمريكي متحيز جدا للمفاوض الإسرائيلي على حساب المفاوض المصري في مفاوضات كامب ديفيد الأولى، أما اليوم فإن الولايات المتحدة لا تجد حرجا في أن تساند المصالح الإسرائيلية بكل السبل الشرعية وغير الشرعية وذلك لعدة اعتبارات أهمها: - حالة الخنوع العربي للإدارة الأمريكية - تغليب المصالح القطرية على الأمن القومي العربي - تحويل الصراع العربي الإسرائيلي إلى صراع فلسطيني إسرائيلي .
في ظل أجواء عدم الثقة التي باتت سمة العلاقة بين السلطة الوطنية والولايات المتحدة جاء وزير الخارجية الفرنسي جوبيه على رام الله ليعلن أن في جعبته خطة فرنسية لإعادة إطلاق محادثات السلام على أسس واضحة ووفق إطار محدد ومتفق عليه وأن المبادرة تتمحور حول الاتفاق على حدود 1967 مع تبادل أراضي متفق عليه بين الطرفين مع تقديم ضمانات أمنية لكلا  الدولتين ومعالجة قضايا اللاجئين والقدس في مرحلة لاحقة (إطار زمني لا يتجاوز العام) طبعا هذه المبادرة أرضت السلطة الفلسطينية حيث قبل الرئيس أبو مازن مبادرة فرنسا للسلام وقال أنها مأخوذة من خطاب أوباما وهي مرضية لنا، في حين ينتظر جوبيه الرد على المبادرة من الإسرائيليين خلال أيام.
أعتقد أن هذه المبادرة لو جاءت بها فرنسا الشيراكية ستكون أكثر صدقا أو على الأقل مريحة لنا ليس لأنها كانت ديغولية الأفكار والنهج فقط ولكن لأن جاك شيراك كان يتمتع بمصداقية عالية على صعيد شخصه، أما ساركوزي فقد نقل فرنسا من المثلث الحاكم في أوروبا مع ألمانيا وانجلترا إلى الحظيرة الأمريكية وأصبح مؤيدا للحملات الأمريكية على الإرهاب ومعجبا بالعولمة والسوق الحر، وبعد أن فشل نوعا ما في تحقيق الدور الريادي الذي يطمح به في المنطقة مع تعثر مشروع الاتحاد من أجل المتوسط ربما تكون المبادرة الفرنسية للسلام مدخل جديد لتحقيق الطموح الساركوزي، ولكنها لن تكون بعيدة عن رؤية أوباما للسلام ولن تخرج عن الإشراف الأمريكي الكامل. القارئ السياسي العادي يرى أن مضمون المبادرة الفرنسية هو تماما ما جاء في خطاب أوباما وهذا ما نوه له الرئيس محمود عباس، كما أن توقيت المبادرة له الكثير من الدلالات ويثير التساؤلات حولها.
من غير المجدي أن نمني أنفسنا بآمال واهية إذا اعتقدنا أن فرنسا الساركوزية سوف تكون وسيط محايد وإيجابي وغير خاضع للضغط الأمريكي أو الرؤية الإسرائيلية للحل، وليس معنى هذا أن نرفض المبادرة الفرنسية بل يجب أن نقبلها ولكن وفق أسسنا نحن، كفانا هرولة في الملعب الإسرائيلي، علينا أن نكون أصحاب موقف ومبادرين، يجب أن نشترط سقف زمني لانتهاء المفاوضات قبل أيلول غير قابل للتمديد بأي حال من الأحوال، ربما يكون وراء الأمر أمر وربما يكون هذا اتفاق أمريكي- إسرائيلي- فرنسي لتسويف خطة أبو مازن في التوجه للأمم المتحدة في أيلول، فالسقف الزمني يحفز على العمل ويحمينا من أي إجهاض مبيت لمشروع أيلول ويظهر النوايا إذا ما تم رفض التقيد بسقف زمني.
وطالما أن الخيار الأول والثاني والثالث للسلطة الفلسطينية هو المفاوضات كما أعلن الرئيس عباس فلنتفاوض بشكل علمي وسليم خاصة أن المفاوض الفلسطيني ذاهب إلى المفاوضات وخلفه معظم أطياف اللون السياسي الفلسطيني وذلك بعد تصريح مشعل بأن حماس سوف تترك الرئيس عباس يجرب المفاوضات وهذه نقطة قوة لم تكن متوفرة من ذي قبل لأي مفاوض فلسطيني، فالمفاوض الفلسطيني عانى كثيرا في مختلف الجولات التفاوضية وكان يدور دوما في فلك الرفض والتقزيم والتعنت الإسرائيلي، إلى جانب أن أهدافه كانت صغيرة لا ترقى إلى مستوى التضحيات الفلسطينية، حيث كان طموح المفاوض الفلسطيني الحصول قدر المستطاع على مكاسب من المفاوض الإسرائيلي وتأجيل الحديث عن الثوابت لأن المفاوض الإسرائيلي غير مدرجها للتفاوض أصلا، أما اليوم وبعد أن تأكدنا من عدم جدوى المفاوضات المفتوحة وغير المشروطة والتي كانت دوما تلتئم في إطار الود والشراكة مع الجانب الإسرائيلي، يجب أن نذهب إلى المفاوضات ضمن أسس وطنية محددة أولها: تحديد سقف زمني قبل أيلول لانتهاء المفاوضات، ثانيا: عدم تأجيل قضية القدس واللاجئين إلى فترة زمنية لاحقة فالإسرائيليون كثيرا ما أجلوا ولم يتحقق الأجل، وهم غير أوفياء بوعودهم وغير حافظين لأي عهود، وإن لم يتم التوافق حول كل القضايا في هذه المفاوضات وفي ظل وجود راعي جديد (فرنسا في حال صدقت نواياها) فمتى سوف تكون النوايا الإسرائيلية أصدق في الحل.
إن المفاوضات علم له أصول ومبادئ يجب التقيد بها لكي تحصل على ما تريد، فالمفاوضات تبدأ بعروض افتتاحية لكل طرف في عملية التفاوض، يحتوي هذا العرض على ما يريده هذا الطرف من المفاوضات، ويقوم كل طرف برفع سقف مطالبه من الطرف الآخر حتى إذا ما أضطر للتنازل يستطيع المناورة لكنه يكون محدد الحد الأقصى للتنازلات ضمنا، ونحن الفلسطينيون ذاهبون إلى المفاوضات بعرض افتتاحي معلن وهو إقامة الدولة على حدود 1967 مع استبدال أراضي وتأجيل القدس واللاجئين، وخلال عملية التفاوض سوف يضطر المفاوض الفلسطيني للتنازل وذلك للحصول على تنازلات بالمقابل فماذا سيتبقى للدولة الناشئة إذا ما تنازل المفاوض الفلسطيني عن أشياء داخل حدود 1967 وللأسف هو مضطر لذلك، لذا يجب أن ترفع السلطة الفلسطينية سقف طموحاتها وتطلعاتها وليدخل في العرض الافتتاحي مطالبة إسرائيل بما لديها، فلا تنسوا أن كل ما لديهم هو ملك لنا في الأصل.
كما أن تقديم التنازلات تتم بأصول، وليبقى موقفك قوي لا تبدأ بالتنازل وإذا اضطررت للتنازل أولا لا تتنازل مرة ثانية قبل أن تحصل على تنازل بالمقابل يكون بحجم تنازلك أو أكثر وهكذا، ويجب أن تضع خطوط حمراء تنتهي عندها التنازلات حتى لو لم توفق في المفاوضات، بهذه الطريقة قد نحصل على شيء يناسب طموحات الشعب الفلسطيني بكل فئاته.
أدرك أن المفاوض الفلسطيني يعي جيدا هذه المعلومات وأكثر ولكنه اعتاد دوما على خلع ملابسه في جولات المفاوضات والعودة عاريا.