الأحد، 27 فبراير 2011

الأونروا .. الهولوكست خداع وزيف لا تفرضوها علينا

حاول الاحتلال على مدار عقود تذويب الهوية الفلسطينية في إطار دولة الكيان الصهيوني وخلط الثقافة والعادات والتقاليد الفلسطينية بثقافة وعادات وتقاليد مبتدعة, وحاول مرارا وتكرارا سرقة التاريخ الفلسطيني وتزويره، عبر أقاويل وأكاذيب من وحي خيالهم الاستعماري، ولكنها كانت دوماً تموت قبل ولادتها فالأرض والسماء والهواء والشجر والماء والبحر يعرفون جيداً أصحاب وسكان هذه الأرض منذ الأزل, لذلك منذ أن قاموا اليهود باحتلال فلسطين لم تنجح مخططاتهم الرامية إلى تزوير تاريخنا ووأد حضارتنا العريقة الضاربة جذورها في الأرض أكثر من طبقات الأرض ذاتها.

كان دوماً مطلب اليهود الأساسي في كل محافل اللقاءات الفلسطينية الإسرائيلية الاعتراف بالمحرقة اليهودية أو ما يسموها بالهولوكست, طبعا لا يقتصر الطلب على الفلسطينيين فقط وإنما على العالم اجمع وتحديداً الأوروبيين لما في ذلك من منفعة لليهود من خلال التعويضات التي يحصلون عليها من ألمانيا، والتعاطف مع كيانهم الغاصب من قبل الأوروبيين، وصمت العالم عما يرتكبون من مجازر في حق الفلسطينيين, ومن لا يعترف بمحرقتهم المزعومة ولا يتعاطف معهم يسوقون ضده كل أشكال الحملات المعادية ويصبح معادياً للسامية وبالتالي إرهابياً, ولطالما عاند الشعب الفلسطيني وقيادته هذا المطلب المتكرر لليهود منذ بدء الاحتلال حتى الآن، ولم يعترف بمحرقتهم ولم يبدي تعاطفه معهم, فالفلسطينيون هم أدرى الناس بتاريخ أعدائهم وزيف ادعائهم وكذبهم اللامتناهي، فكذبهم لا يتوقف عند حدود ما يصدقه العقل وإنما يتمادى حتى يصبح شيئا غير منطقي ولا يصدقه العقل، فقط هم وحدهم يصدقون ما يكذبون, فكذبة الهيكل التي يسوقونها منذ دخولهم فلسطين وقبل ذلك أصبحت اليوم شاهدة على السلوك الصهيوني في سرد الحقائق, فمنذ أن بدأ الحفر تحت المسجد الأقصى على أمل أن يجدوا شيئاً من حضارتهم القديمة المزعومة، أو ما يدل على وجود هيكلهم، لم يظهر شيء بالمطلق له علاقة باليهود أو تاريخهم أو حتى حجراً واحداً يدل على وجود أي هيكل، وإنما وجدوا آثار إسلامية تعود إلى العصر الأموي (660 _750 م), وآثار رومانية وأخرى بيزنطية, واختلفوا علماء الحفريات الذين يستخدمهم الكيان الصهيوني حول وجود الهيكل من عدمه.

اليوم جميعنا نعلم ونقر بالدور الإنساني والأخلاقي المميز الذي تقوم به وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا", فهناك الآلاف من الأسر الفلسطينية تعيش على المساعدات العينية والنقدية التي توفرها لها الأونروا, أكثر من 200 ألف طالب فلسطيني يدرسون في مدارس تابعة للأونروا, وآلاف الموظفين الفلسطينيين يعملون لديها ويتلقوا رواتب تجعلهم يعيشون حياة كريمة, نشهد بذلك ونقدره أيما تقدير ونحترم هذا الدور الإنساني الشجاع الذي طالما أشادت به كل فئات المجتمع الفلسطيني, كما يُعامل موظفو الأونروا الأجانب المتواجدون في فلسطين بكل حب وود واحترام، ولا يتدخل أحد في شئونهم ولا يتدخل أحد في شئون الوكالة الخاصة أو كيفية إدارة برامجها, ولكن بتاريخ 10/12/2010 ورد خبر في جريدة الجارديان البريطانية بأن الأونروا قامت بترتيب رحلات طلابية للمتفوقين في مادة حقوق الإنسان, ولا سيما من طلبة الصف التاسع من بنين وبنات إلى الولايات المتحدة وأوروبا وجنوب أفريقيا, وخلال الرحلة تم اصطحاب الطلاب إلى متحف للهولوكست اليهودي, وقام الأساتذة المرافقون للطلاب من العاملين في الأونروا بتقديم شرح عن الهولوكست والتعبير عن تعاطفهم مع معاناة اليهود على أيدي القوات النازية، وفيما بعد ظهر فيديو قام بتصويره أحد الطلبة المشاركين في الرحلة حول زيارتهم لمتحف الهولوكست وهم بداخله, في حينها قام المستشار الإعلامي للأونروا الأخ عدنان أبو حسنة بنفي زيارة الطلبة إلى متحف الهولوكست ولكن الفيديو كان أصدق من هذا النفي, وقامت حركة حماس بانتقاد تنظيم الأونروا للرحلة وطالبتها بعدم تكرار ذلك, وبأن تطبق السياسة التي تتبعها في باقي المناطق الفلسطينية على قطاع غزة, ثم تبع ذلك خبر مفاده بأن الأونروا تقرر تدريس الهولوكست بالمنهاج الدراسي ضمن مادة حقوق الإنسان, ومرة أخرى تعلن هيئة حقوق اللاجئين التابعة لحماس وبعض الفصائل عن رفضها لذلك، ولكن هذا الرفض غير كافي، كما على السلطة الوطنية أيضاً التحرك لمنع ذلك.

تدور الآن في ذهني وفي ذهن كل فلسطيني مجموعة من التساؤلات أهمها, هذا التناقض الغريب في الدور الذي تقوم به الأونروا, ولماذا الآن تحديداً تقوم بتدريس الهولوكست لأبنائنا, وإن كان لابد من تدريس مادة حقوق الإنسان وأنا أقر بضرورتها فهناك مئات بل آلاف النماذج الحقيقية لا المزيفة التي تستحق أن تدرس لأبنائنا، فتاريخ القضية الفلسطينية والعنف في التعامل مع الفلسطينيين وارتكاب المجازر والحروب التي قامت بها إسرائيل لا تعد ولا تحصى وتُغلق عيون واضعي هذا المنهاج, وإن كنتم لا تعملون فسلوا أي طفل فلسطيني يدلكم على مئات المحارق الجدية التي مورست من قبل الكيان الصهيوني بحق الفلسطينيين.

نصفق لكم ونقف تحية لكم إن كان هدفكم خدمة حقوق الإنسان ونيله حرياته ولكن هو غير ذلك, لا يعقل أن تتركوا قرناً من انتهاك حقوق الإنسان بحق فلسطين وأبنائها ولا تُضمّنوا مادة حقوق الإنسان أي شيء قام به الاحتلال بحق الفلسطينيين وتقوموا بتدريس محرقة أكذوبة لطلابنا وأبنائنا وأجيالنا القادمة ، هذه المحرقة لا علاقة لنا بها ولسنا شهود عليها ولا نعترف بها أساساً, هذا غير مقبول ويتناقض كلياً مع الدور المنوط بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين, والدور الإنساني الحقيقي الذي يوفر شرعية وجودكم على هذه الأرض الطيبة, والتي طالما رحبت بكم واحتضنتكم.

إن من أساسيات الأخلاق أن يُحترم تاريخ من يستضيفكم ويوفر لكم شرعية التواجد, وأن تقوموا بتدريس المواد التي تتماشى مع عادتنا وأخلاقنا وتاريخنا ومفاهيمنا, أنتم لستم احتلال لتفرضوا علينا ما لا نشاء ولا يتماشى مع عدالة قضيتنا, عودوا إلى دوركم الرشيد المرغوب فيه دوماً ولا تغلقوا أعينكم عن الحقيقة، ولا تقوموا بتطبيق أجندات صهيونية من خلال استغلال حاجة الفلسطيني البسيط لخدماتكم ومساعداتكم وتعليمكم, لا تفقدوا رابطكم مع الشعب الفلسطيني ولا تعتقدوا أنكم سوف تستطيعوا فرض ما لم يقدر عليه الاحتلال تحت بند إما الصمت أو نعلق أعمالنا، لا تستخدموا لقمة العيش لفرض رؤاكم علينا.

أما أنتم يا قادة العمل السياسي في الضفة والقطاع ومعكم الفصائل الفلسطينية عليكم مجابهة هذا التصرف والوقوف صفاً واحداً في وجه المؤامرات الصهيونية التي تريد أن تنال من تفكير أبنائنا وبناتنا وتزرع فيهم العطف على قاتلهم والتعود على تقبله بحجة أنه مضطهد, عليكم تنظيم اعتصامات ترفض تضمين المناهج الفلسطينية أي شيء له علاقة بتاريخ الكيان الصهيوني وتحديداً ما يتعلق بالهولوكست والتوجه للأمم المتحدة ومطالبتها بشطب ذلك من أجندتها.

هذا خطر ربما يوازي في ضرره تواجد الاحتلال ذاته على أرضنا, فهم احتلوا الأرض ولم يستطيعوا تغيير مفاهيمنا, ربما يكون هذا مدخل لاحتلال عقولنا.

الثلاثاء، 22 فبراير 2011

الخيارات الفلسطينية بعد فيتو أوباما

مرة أخرى تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض الفيتو في وجه الشعب الفلسطيني وفي وجه الدبلوماسية الفلسطينية والعربية, وأقصد بالشعب الفلسطيني كل الشعب الفلسطيني بكل فئاته وقواه ومكوناته, ليس فقط في وجه محمود عباس أو السلطة الوطنية الفلسطينية, والقضية الفلسطينية هي قضية كل مواطن فلسطيني بغض النظر عن لونه السياسي, فالاستيطان حينما يمتد ويكبر وينمو في الأراضي الفلسطينية لا يميز بين أرض يمتلكها شخص منتمي لفتح أو لحماس أو لا انتماء له, والولايات المتحدة عندما استخدمت حق النقض الفيتو صحيح أنها صفعت السياسة التي تتبعها السلطة الفلسطينية ولكنها في المقابل دافعت عن الوجود الاستيطاني والغطرسة الإسرائيلية وأعتقد أن هذا موجع ومؤلم لكل فلسطيني, كان هذا مجرد استهجان من تصريح لمسئول فلسطيني قال 'على أصحاب مشروع التسوية أن يدفعوا الثمن إذا قطعت عنهم أمريكا المساعدات', في حين كنت أنتظر تصريح آخر بعنوان آخر وملامح أخرى يؤيد موقف الأخ أبو مازن الرافض للاملاءات الأمريكية وإصراره على التوجه إلى مجلس الأمن ليُعري الصورة الإسرائيلية أمام العالم وليضع حد لآلة الاستيطان الشرسة.
في تصريح لأحد المسئولين الإسرائيليين في إذاعة الجيش يقول 'محمود عباس قيادة قديمة تتمسك بمطالب لا تستطيع إسرائيل الحديث عنها أو الاقتراب منها مثل (الحدود, الأمن, اللاجئين, القدس, المياه) ولذلك لن تحزن إسرائيل عليه إن سقط مثلما سقط مبارك وربما تأتي قيادة فلسطينية جديدة يكون التعامل معها أسهل وتكون متفهمة'.

هكذا تكافئ إسرائيل الشريك الفلسطيني وهكذا تنظر إسرائيل إلى الرئيس محمود عباس على أنه قيادة قديمة غير مستجيب ومطالبه كثيرة وغير مقدور عليها, أبو مازن الذي يعتبر المفاوضات هي السبيل الوحيد للتعامل مع إسرائيل، والذي لا يؤمن باستخدام العنف أصبح أشد الناس خطراً على مصالح إسرائيل وغير ملبي للاحتياجات الإسرائيلية, إذن ما هو شكل القيادة المنشودة التي تتطلع إسرائيل لأن تأتي بعد الرئيس محمود عباس, وماذا ستقدم لتنال الرضا الإسرائيلي، وما هي وسائل مواجهة الاستيطان والتوغل والاجتياح والقتل والسجن وجدار الفصل العنصري والحصار التي ستتبعها هذه القيادة, إذا كان التوجه للأمم المتحدة ومجلس الأمن الذي لن يصدر قرار واحد عنه يضر بالمصالح الإسرائيلية طالما بقيت المصالح الأمريكية-الإسرائيلية قائمة هو عمل غير شريك وفق وجهة النظر الأمريكية وتصرف صادر عن قيادة قديمة وغير راغبة في السلام حسب وجهة النظر الإسرائيلية، إذن ما هو مفهوم الشريك لدى إسرائيل ومن هو الطرف الأصلح ليكون شريكاً, أعتقد لا أحد، لا يوجد طرف فلسطيني مهما كان منهجه سلمي ومهما كان مستعداً لتقديم تنازلات، ومهما تغاضى عن كل ما تقوم به إسرائيل يستطيع أن يرضي النزعة الصهيونية أو أن يكون شريكاً, لذلك وبعد كل ما قدمته السلطة الوطنية من حسن نوايا وانكشاف في المنهج أمام العالم أجمع والمرونة غير المسبوقة التي يتمتع بها الدبلوماسي الفلسطيني أصبحت غير مرغوب بها لدى إسرائيل, فماذا يتبقى بعد لنصدق أن إسرائيل لا ترغب في السلام وأنها تماطل ليبلغ الاستيطان منتهاه وتصنع كل يوم أمر واقع جديد, لماذا لا نقتنع بأن إسرائيل لا تفعل شيئاً سوى التسويف والمباغتة, نعم ربما تقوم السلطة بإحراج إسرائيل أمام المجتمع الدولي ولكن ماذا يصنع هذا الحرج بمن لا يكترث, ربما آن الأوان للانتهاء من التفاوض والبحث عن خيارات بديلة تكون مجدية ويفهمها صانع السياسة الإسرائيلي أكثر من المفاوضات، وهنا أقدم بعض المقترحات للخروج من الأزمة الحالية.
· إن كان لابد من العودة يوماً ما إلى المفاوضات والجلوس أمام المفاوض الإسرائيلي, يجب أن يكون لدى المفاوض الفلسطيني أوراق ضغط يستطيع من خلالها المناورة, لأن المفاوض الإسرائيلي لن يقدم شيئاً مجاناً ولن يتنازل إلا بحضور فلسطيني قوي, لذلك لابد من وجود مقاومة شعبية فاعلة ومستمرة بجانب المفاوضات وذلك كمرحلة أولى.
· الاستمرار في المعركة السياسية الطاحنة التي تخوضها السلطة الفلسطينية وعدم رضوخها للضغط والتهديد الأمريكي, وعدم التراجع عن نية التوجه إلى جمعية الأمم المتحدة ومجلس الأمن مراراً وتكراراً, ولتستخدم الولايات المتحدة حق النقض الفيتو مرة تلو المرة حتى تستفز المجتمع الدولي وتظهر معالم العلاقة غير الشرعية بينها وبين إسرائيل وتصاب هي بالحرج حينها ربما تتوقف عن استخدام حق النقد الفيتو لصالح العربدة الإسرائيلية.
· البقاء على الدبلوماسية الفلسطينية فاعلة ونشطة في مخاطبة جميع الدول التي تؤمن بعدالة القضية الفلسطينية، والتي تميل إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فالعالم الحر يجمع على ضرورة إقامة دولة فلسطينية.
·  إعادة ترتيب البيت الفلسطيني وتوحيد الصف الوطني الإسلامي والخروج إلى العالم بقيادة واحدة وبتمثيل فلسطيني موحد, فإن من أهم أسباب ضعف المفاوض الفلسطيني الانقسام الأسود الذي عاد بالقضية الفلسطينية عقوداً إلى الوراء.
· بعد الانحياز الأمريكي الواضح للسياسة العدوانية الإسرائيلية, يجب على السلطة الفلسطينية عدم التعويل مطلقاً على الدعم الأمريكي أو الرعاية الأمريكية, وفتح آفاق جديدة أمام السياسة الفلسطينية, والبحث عن حلفاء أكثر صدقاً وأقل تطلباً.
· في حال عدم جدوى المقاومة الشعبية, يجب التسليم بالواقع الجديد والعودة فوراً إلى مرحلة الشرف الأولى إلى الكفاح المسلح وإعمال كل أشكال المقاومة في الوطن وخارجه, فإسرائيل لا تفهم إلا لغة واحد هي لغة القوة, ولن تكون جادة في المفاوضات إلا إذا شعرت بالخطر على أمنها.

الخميس، 17 فبراير 2011

فتح وحماس نحن هنا



سمعنا كثيراً من الحكومتان اللواتي يحكمن شقي الوطن عن الحريات التي ينعم بها المواطن, وبأن كل فرد يتمتع بالمواطنة بالشكل الكامل, ويمارس الديمقراطية بسلاسة وبمتعة منقطعة النظير، كم يسعدني ويسعد الجميع هذا الحديث ففيه مداعبة محببة وتيه في اللامعقول, ولكنه يبقى خيال, فإذا تناولنا مفهوم الحرية لدى هؤلاء نجده عبارة عن مصادرة لكل الحقوق وإملاء العشرات الإضافية من الواجبات على المواطن وهنا أنا أخطأت فكيف يسمى الفرد بالمواطن وهو لا يمارس أدنى أساسيات المواطنة, إذن هو الفرد, وحرية الفرد وفق مفاهيم من يحكمنا مزيداً من القمع والصمت والخنوع، وعدم انتشار الفوضى خشية على الحكومة الإسلامية في غزة فهي نموذج إسلامي وليد، وعدم تفشي الفوضى خشية على الحكومة الديمقراطية في الضفة فهي النموذج الأول للديمقراطية في المنطقة, والفوضى لديهم ترادف ممارسة الحرية، فالمظاهرات والاعتصام ومطالبة الفرد بحقوقه البسيطة جداً (الحق في العمل, الحق في السكن, الحق في التعبير عن الرأي) هي إرهاب ممنهج وتدخل سافر من الخارج, وطبعاً يعودوا بنا لنظرية المؤامرة الساكنة فينا, يا سادة يا حكامنا يؤسفني أن أصارحكم بأنكم تفهمون الحرية بطريقة خاطئة ومعكوسة.

منذ أيام وعقب صحوة المواطن العربي في تونس ومصر وتبعها معظم البلدان العربية, خرج علينا السيد الرئيس أبو مازن بخبر جميل أثلج صدورنا وكم انتظرناه وهو الانتخابات وحدد لها سقفاً زمنياً لإتمامها، طبعاً لا يعنيني هنا مناقشة سبب هذه الدعوة وحسن أو سوء النوايا خلفها، لأن ما يهمني هو عودة الأمر إلى المواطن ليقرر من يحكمه، ولكن سرعان ما تبددت هذه الفرحة حين خرج قادة حماس ليعلنوا عدم موافقتهم على إجراء انتخابات وبأن خلفها نوايا سيئة، بل وأكثر من ذلك فاجئنا أئمة المساجد في غزة ليعلنوا أن هذه الثورات في البلدان العربية هي صحوة إسلامية ومن يحرك الشارع العربي هي دول الممانعة، وأن غزة كانت السباقة في هذه الثورة عندما سيطرت حماس على قطاع غزة 2007 وانتقال السلطة الفلسطينية إلى الضفة الغربية، وأضافوا الأئمة على ذلك تهديداً صريحاً لمن سيخرج إلى الشارع للمطالبة بإنهاء الانقسام، وأسموا هؤلاء " المتشدقين بإنهاء الانقسام "، وبهذا تكون اكتملت الصورة وهي مرحلة جديدة من تكريس الانقسام وفصل جديد من الفرقة وإعلاء المصلحة الحزبية على المصلحة العامة، إن الثوار في تونس ومصر لم تقسم الوطن بل أسقطت حكاماً مستبدين وأبقوا الوطن كل متكامل، فإذا اعتبرتم تلك الثورات صحوات إسلامية فسيروا على خطاها ووحدوا الوطن، فعدوكم واحد وإن اختلفتم في نهج التعامل معه، يقول تعالى " وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ " الأنفال - 46.

ربما تكرس الانتخابات الواقع الحالي بشكل أوسع، وتضيف إلى عمره المزيد من الوقت وتدخله مراحل جديدة، أما الحل فيكون في إنهاء الانقسام عبر حوار جاد وصادق على قاعدة لا غالب ولا مغلوب والوطن فوق الجميع، ولتتركوا التلكؤ والهزل الإعلامي، فإن كان السلاح والقوة والسجن والبطش والقتل هم أسباب استقرار حكمكم هنا وهناك فعليكم أن تقلقوا لأن ذلك استقرار زائف وزائل وأنتم أدرى من غيركم بشعبكم إذا ثار.

أما الضامن لهذا الحوار فلا يجب أن يكون الطرف المصري أو القطري أو السوري مع احترامي لكل الجهد الذي بذل مسبقاً من قبل الأشقاء العرب، بل يجب أن يكون راعي الحوار طرف فلسطيني قوي وجرئ ومحايد، لكي لا يتهم بالتحيز لأحد أطراف الحوار مثلما اتهمت من قبل مصر وقطر وسورية، وهنا أقصد بصراحة حركة الجهاد الإسلامي الحزب الأكبر في الشارع الفلسطيني بعد فتح وحماس، وصاحب التاريخ والبطولات والذي لم يدخل ويرفض أن يدخل معترك السياسة لاعتبارات دينية, وليبقى نقياً عليه أن يترك الدور السلبي غير اللائق به وبمكانته وبتاريخه، وكثيراً ما أتُهم بالصمت والحياد السلبي وأحياناً بالتحيز والتبعية, على الجهاد الإسلامي وليكن معه الفصائل الفلسطينية المحايدة لا التابعة أن يدعو إلى الحوار فوراً إعمالاً بقوله تعالى "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا" آل عمران - 103, وليرعى هذا الحوار بكل حيادية ووطنية، وفي حال تم إفشال الحوار من قبل فتح أو حماس على الجهاد الإسلامي ومن معه من الفصائل الموفِقة والكارهة للانقسام أن يخرجوا للناس وبشكل واضح وعلني ويعلنوا عن الطرف المعطل للحوار الذي يتلكأ والذي لا يرغب في إنهاء الانقسام، يقول تعالى " وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ " الحجرات - 9، عليكم العودة إلى جرأتكم التي عهدناها والانحياز إلى الشعب، وليترك فيما بعد الحكم إلى الناس فيوماً ما سوف يقول الشعب كلمته آجلاً أم عاجلاً، وسوف يحاسب الطرف المعطل والمكرس للانقسام.

على حماس وفتح أن يعلموا بأن هناك شعب أبيّ مناضل لم يكسره الاحتلال طوال عقود ولم يثنيه عن حقه الخوف والبطش، وإن وجدوا فحتماً سيتبدلون إلى سخط وغضب، كما أن ضمن هذا الشعب هناك فصائل مقاومة لها تاريخ يوازي ويقابل تاريخكم، لستم وحدكم في الوطن حتى أبنائكم لا يريدون الانقسام، نحن لسنا مجهريون عليكم أن ترونا.

الاثنين، 14 فبراير 2011

العربي



يعيش الوطن العربي بوحداته السياسية المكونة له حالة من عدم الإستقرار السياسي  والاجتماعي والتردي في أحوال سكانه الإنسانية، فتسمية هذه الرقعة من الأرض التي تسكنها الشعوب العربية  'بالوطن العربي' لم تكن إعتباطية بالمطلق ولا تسمية تلك الشعوب الممتدة من آسيا إلى أفريقيا بالشعوب العربية لا أساس لها بل هو تاريخ مشترك ولغة واحدة وثقافة واحدة وإلى حد ما ودين واحد، بل وأكثر من ذلك، إن ما يجمعهم هو أكثر من مجرد لغة، فالعديد من شعوب هذه الدول تتكلم لغة ثانية أساسية إلى جانب العربية ولهجات مختلفة كلياً قد لا يتم فهمها من قبل عربي من قطر عربي آخر، ورغم أن الدين الإسلامي هو من وحد هذه الامة تاريخياً، إلا أن الترابط تجاوز ذلك فأصبح العربي المسيحي أقرب إلى العربي المسلم من غير العربي المسلم وتربطه به ألفة رائعة، ونعلم أيضاً أن الثقافة متشابهة في جذورها ومختلفة أيضاً بعض الشيء ولكنها اليوم تتباعد نوعاً ما نتيجة الإختلاط بالدول غير العربية المجاورة ونتيجة الفترات الطويلة من الإستعمار الذي عانت منه بعض الدول العربية وكاد أن يذيب العربي بثقافته وشتت بين ثقافة بعض الدول العربية، لذلك هناك ما هو أكبر من ذلك يربط بين هذه الدول هذه الوحدات التي يتكون منها هذا الوطن الإفتراضي هذا الوطن الدافئ المغلوب على أمره.

حقيقةً لم أكن أعلم تماماً ما هي هذه الأشياء ولكني بعد أن شاهدت ما يحدث في تونس وتألمت له، وتابعت مايحدث في مصر والفوضى العارمة التي تعتري شوارعها الطيبة إعتصرت ألماً، وترقبي الشديد الدائم للوضع في لبنان والتنافس بين الأكثرية والمعارضة والنزول إلى الشارع وخوفي من عودة الأمور إلى فترات سوداء في تاريخ لبنان عنوانها حرب أهلية، وعندما أشاهد إنفصال السودان يصبح واقعاً وأعلم أن هذا الجزء العربي المنفصل ربما يغرد بعيداً عن السرب العربي أشعر أن جزءاً من جسدي ينسلخ بقسوة، وكثيراً ما بكيت على العراق وما آلت إليه أحوال أهله، حينها علمت أن هناك أشياء كثيرة قوية وكبيرة تربطني بهذه الاراضي البعيدة عني وبهذه الشعوب التي ربما لم أقابلها من قبل وإن كان البعض يعزي ذلك إلى الجوار التاريخي فلماذا لم نشعر بذلك تجاه الدول الأفريقية غير العربية أو الدول الآسيوية المجاورة لنا أو لماذا لا تستطيع الشعوب العربية جميعاً تقبل الوجود الإسرائيلي بجانبها على أساس أنها دولة جوار.


هذه الاشياء التي تربط الشعوب العربية هو قلب واحد كبير يدق في جسد هذه الامة إذا مرض يتداعى له كل الجسد وإذا مات يموت معه هذا الجسد، هذا القلب موجود بداخل كل عربي بل هو قلب كل عربي، فتتألم السيدة اليمنية عندما يموت طفلاً مقهور في العراق، وتبكي السيدة المصرية عندما يقتل الدرة في فلسطين، وتنتحب كل نساء العرب عندما تداس كرامة الأبطال في العراق وفلسطين، وينكسر الرجال العرب عندما تنتصر إسرائيل على الجيوش العربية في 1967، وترقص فرحاً عندما تحقق نصراً على إسرائيل عام 1973، وكلنا نتضرع شاكرين إلى الله عندما تنتصر المقاومة اللبنانية على إسرائيل صيف 2006، وتصرخ كل الحناجر العربية وتذرف الدموع على أطفال غزة أثناء حرب غزة 2008، أليس هذا قلب واحد ودم واحد وعرق واحد، لا قوة لأي دولة عربية بعيداً عن المجموع العربي ولا تقدم ولا إستقرار لأي دولة عربية وهناك ألم وفقر وإحتلال في دولة عربية أخرى، صحيح أن التاريخ الواحد مهم ولكن الأهم الحاضر والمستقبل المشترك.

الكثير من المفكرين والكتّاب والعلماء العرب يتحدثون عن عدم وجود أمن قومي عربي وأنه فكرة وهمية، وأن الدولة الوطنية القطرية هي الفكرة المستحوذة عليهم، وإنشاء دول قومية على غرار القوميات الأوروبية هي طموح، وأن جامعة الدول العربية هي شئ من التراث أو مجرد منظم للعلاقات بين هذه الدول، وأن فكرة القومية فاشلة وأضعفت الدول العربية وأنها لم تنجح في ذروتها فكيف لها أن تنجح الآن في ظل وجود فكرة التدخل التي يفرضها النظام العالمي الجديد وفي ظل ثورة الإتصالات الهائلة وسيطرة العولمة والانفتاح الكبير في كل نواحي حياتنا، ربما يكون هذا صحيح ووجهة نظر تصلح لهذا الزمان ولكن يا أصحاب وجهة النظر هذه أين أنتم من سيدة فلسطينية تخرج في غزة على الإعلام أثناء حرب غزة وتقول أين أنتم يا عرب؟ فيرد عليها العرب بمسيرات جماهيرية تضامنية في كل بقاع الأرض، حتى العرب المهاجرين إلى الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية رغم أنهم حصلوا منذ زمن على جنسيات غير عربية وانسجموا في مجتمعاتهم الجديدة ولكن عندما صرخت هذه السيدة يا عرب شعروا في داخلهم أنها تقصدهم وهبوا لها، لماذا عندما تقع ثورة شعبية في تونس تمتد لتطال مصر ويخرج على أثرها معظم الحكام العرب ليعلنوا عن إصلاحات فورية والبعض يعلن عن عدم ترشحه لمرحلة مقبلة، لأن الثائر في تونس هو نفس الثائر في اليمن ومصر والصامت هنا هو نفسه الصامت هناك، هو العربي، فكيف يمكن أن لا يكون أمننا واحد، كيف يمكن أن يلحق ضرراً بذلك السوري دون أن أشعر بأذى وضرر في نفسي كيف يمكن أن تحتل العراق وتنتهك ويبقى هناك ثبات ورفاهية وإستقرار في باقي الدول العربية، ربما هذا ليس زمن العربي ولكن يبقى كل فرد فينا هو العربي وجميع تلك الدول هي الوطن العربي، حتى يعود زمان العربي.