الخميس، 19 مايو 2011

قرار ضم الأردن والمغرب لمجلس التعاون الخليجي ... هروب أم مواجهة

 ثار العربي ولن يتوقف, من تونس 14 جانفي (يناير) هرب أول ديكتاتور عربي وانتصرت ثورة الياسمين, وامتد الغضب آلاف الأميال ليثور المصري البسيط ويسقط طاغية آخر باندلاع ثورة يناير 25 يناير, وانطلق الثوار في ليبيا واليمن وسورية وبدأ العد التنازلي يهز عروش الظلم التي طبقت على صدور الأحرار سنوات طويلة, وبدأ التخبط في البحث عن حلول ومخارج للحفاظ على الأنظمة التي طالما رويت من دماء البسيطين وكبرت وترعرت على ثروات ومقدرات الأمة العربية.
ينقسم الوطن العربي إلى نموذجين وفق انتقال السلطة المنصوص عليه في دساتير الدول العربية, أولاً: دول يتم انتقال السلطة فيها بالتوريث, وهي مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى كل من الأردن والمغرب، فهي دول يحكمها ملك أو شيخ أو أمير أو سلطان ويتم توريث الحكم من بعد الحاكم إلى ولي العهد, وهي مستقرة بشكل نسبي غير أنها تتفاوت من حيث فرض الأمن ووجود الثروات والموارد الطبيعة, فدول مجلس التعاون الخليجي تعاني من معضلة الأمن نوعاً ما ولكنها دول نفطية غنية أما المغرب والأردن فهما يمتلكان أجهزة أمنية قوية قادرة على بسط الأمن لكنهما لا يمتلكان النفط وثرواتهم ومواردهم محدودة نسبة إلى دول مجلس التعاون بالدول الفقيرة.
أما النموذج الثاني من الدول العربية: فهي دول يتم فيها انتقال السلطة بآلية الانتخاب, حيث تعتبر جمهوريات، ويفترض أن يتم انتقال السلطة من رئيس جمهورية إلى آخر بواسطة الاقتراع العام, وهي بلدان غير مستقرة فمعظمها تعرض في الآونة الأخيرة لثورات مثل (مصر, ليبيا, تونس, اليمن) وهذه الثورات مستمرة حتى الآن في بعض هذه البلدان وهدأت في بلدان أخرى بعد أن تم تغيير النظام, وبعض هذه البلدان محتل كليا مثل العراق وفلسطين وجزئيا مثل سورية ولبنان, والبعض الآخر تعصف به المشاكل الطائفية مثل لبنان والعراق وحديثاً مصر، إلى جانب السودان الذي تم تقسيمه، والصومال الذي يعاني منذ أمد ويلات الحرب الأهلية والمجاعة, ومعظم هذه الدول تعتبر فقيرة مقارنة بدول الخليج كما أن آلية انتقال السلطة المعتمدة في دساتيرها وهي الانتخابات لا يعمل بها فأكثر هذه الدول يحكمها رؤساء تمتد فترة حكمهم لعقود وقد تم خلع بعضهم بالثورات والانقلابات والبقية ينتظرون.
تلى الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي الدكتور عبد اللطيف الزياني بيان صادر عن القمة التشاورية الثالثة عشر لقادة دول مجلس التعاون الخليجي حيث أعلن ترحيب دول المجلس بطلب الأردن الانضمام إلى المجموعة الخليجية, فيما وجهت الدعوة إلى المغرب للانضمام للمجلس, وأختتم الزياني البيان بقوله أن هذه الخطوة تأتي متمشية مع النظام الأساسي لمجلس التعاون الخليجي وميثاق الدول العربية, تدور العديد من التساؤلات حول الأسباب التي دفعت إلى مثل هذا القرار في الوقت الحالي وهذا التقارب السريع وفتح دول مجلس التعاون الخليجي عضويتها لتشمل كل من الأردن والمغرب, وهذه قراءة في أسباب ذلك.
1-     تم انتقال السلطة في بلدان مجلس التعاون الخليجي بآلية التوريث وهو ما تتشارك فيه مع الأردن والمغرب من بين باقي الدول العربية، وبذلك تصبح كل الدول العربية التي تعتمد النظام الملكي والأميري والمشيخة والسلطنة في جسد واحد منفصل عن باقي الدول العربية ذات النظام الجمهوري.
2-    معظم الدول العربية قد طالتها الثورات وهزت أركان الحكم فيها وهو ما ينتقل من دولة إلى أخرى إلى حد أنها طالت معظم هذه البلدان, وهذا قد يقلق أنظمة حكم التوريث بأن تنتقل إليها الثورات خصوصاً بعد أن طالت مطالبات رحيل النظام دولة البحرين التي تعتمد النظام الملكي في الحكم.
3-    تعتبر الأردن أكثر دول المشرق العربي استقرارا, والمغرب أكثر دول شمال الوطن العربي استقرارا وهو ما يحفز دول مجلس التعاون الخليجي إلى إدخالها المنظومة العربية النفطية بدون قلق من انتقال حمى الثورات.
4-    بعد التدهور المستمر في العلاقات بين دول مجلس التعاون وبين إيران نتيجة للطموح الإيراني المعلن والكامن في الخليج العربي ودوله، والتدخل المستمر في الشأن الخليجي من خلال الشيعة في دول الخليج، والمحاولات المستمرة للدفاع عن ظاهرة نشر التشيع بالقوة من خلال نموذج البحرين, كما أن التخوف الخليجي يزداد كل يوم من الطموح الإيراني النووي نظرا للنوايا الإيرانية في المنطقة الخليجية, وهو ما يستدعي من دول الخليج استحضار أكبر عدد ممكن من الحلفاء للمساندة مثل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الاوروبي, إلى جانب ضرورة العمل على تقوية الجبهة العربية الخليجية من خلال انضمام دول عربية أخرى إلى منظومة النفط والمصالح الخليجية مما يدفع هذه الدول حديثة العضوية إلى الدفاع عن أمن الخليج باستماته وذلك بعد أن سقط العراق الحامي الشرقي للخليج العربي، وسورية تعصف بها الثورة, ومصر لم تزل تحت وطأة نشأة جديدة وهو ما يفقد أمن الخليج صلابته, لذلك على دول الخليج أن تحفظ أمنها ببناء منظومة تحالفات جديدة مستقرة قوامها المصالح قادرة على درء الخطر الإيراني.
5-    نجاح دول الخليج العربي في التصدي للثورة الشيعية في البحرين كما يسمونها والتي هي من صنع إيراني خالص, وقد تم ذلك بإرسال قوات درع الجزيرة للتصدي للمتظاهرين, هذا النجاح دعا الاردن للمطالبة بالانضمام للمجلس ويشجع باقي البلدان العربية للتفكير بالانضمام لمجلس التعاون الخليجي الذي يوجد به أداة عسكرية قادرة على حفظ أمن واستقرار الأنظمة وهي أداة درع الجزيرة وقد تم تفعيلها بالفعل في البحرين.
6-    في ظل حالة الضعف التي تعاني منها جامعة الدول العربية لعدة أسباب أهمها الشمولية وعدم وجود أداة عسكرية عربية موحدة ولعدم وجود آلية تمكن الجامعة من التدخل في الدول الأعضاء, وفي ظل خمول وسكون اتحاد المغرب العربي وموت مجلس التعاون العربي يبقى مجلس التعاون الخليجي الوحيد القادر على الصمود وحماية أعضاءه وهذا ما يدعو دول الخليج إلى الاهتمام أكثر بمجلس التعاون الخليجي وتحصينه وتقويته والتخندق بداخله ليكونوا بذلك منفصلين عن الدول العربية التي لا قدرة لها على حماية أنظمة الحكم فيها، وبعيدا عن الحالة الثورية التي تجتاح الوطن العربي, وحفاظا على تجمع عربي قادر على اتخاذ قرار سريع بالتدخل في حال تعرضت أحد دول هذا التجمع لعدوان خارجي أو تخريب داخلي.
وفي هذا الإطار يعاد طرح التساؤل القديم الذي وجد مع نشأة مجلس التعاون الخليجي عام 1981 وهو: هل سيصبح مجلس التعاون الخليجي وهو منظمة عربية فرعية أو تجمع فرعي بديلاً عن النظام العربي المركزي أو النظام الاقليمي العربي (جامعة الدول العربية)؟ وهل سيصبح أعضاء مجلس التعاون الخليجي خارج فلك الوطن العربي؟ .

الثلاثاء، 3 مايو 2011

المصالحة الفلسطينية ... جهد وتفاؤل

كنا نعلم أن فتح وحماس ذهبوا إلى القاهرة للحوار, وكالعادة توقعنا أن يكون فصل جديد من التسويف والمماطلة وحوارات غير مجدية, لأن النية الحسنة في السابق لم تكن متوفرة لعدة عوامل لست بصدد ذكرها الان, ولكن ما أن جاء خبر التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق المصالحة حتى نال الشك والريبة من معظمنا، ولم يستطع التفاؤل أن يشق طريقه إلى نفوسنا بسهولة حتى وإن رأيناهم يوقعوا فهم وقعوا قبل ذلك, ولكن هذه المرة تختلف المعطيات وهي غير خافية على أحد فالتغيير في الوطن العربي كان لابد أن يصلنا فنحن لسنا بمعزل عن محيطنا العربي لأننا جزء أصيل من تركيبته الاجتماعية والسياسية ومصابه مصابنا.
كما أن التحالفات السابقة والمحاور التي كانت تسيطر على المشهد العربي انهارت في معظمها فإيران الحليفة والداعمة لحركة حماس تقف اليوم موقف المعادي لدول الخليج ولا يجد مسئوليها غضاضة في أن يعلنوا أن الخليج العربي لطالما كان تابعا لإيران، وهذا الطموح الإيراني في المنطقة العربية ودعمها الشديد للتحركات الشيعية في الخليج وتحديدا في البحرين جعل دول الخليج العربي تلفظ إيران وتضعها موضع المعادي مما أدى إلى انحصار إيران وتراجع نفوذها في المنطقة العربية خاصة في ظل انشغال النظام السوري الحليف الأكبر لإيران بالاحتجاجات العنيفة والمطالبات بإسقاط النظام التي تدور في الداخل السوري مما جعله يغلق حدوده مع معظم جيرانه, هذه الاحتجاجات دفعت نظام الأسد يطلب من قيادة حماس في دمشق أن يكون موقفها واضح ولكن حماس لم ولن تستطع أن تكون معه ضد الشعب السوري حيث وضحت قيادات حماس أنهم مع النظام السوري ومع الشعب السوري وهذا في عالم السياسة لا يجوز ولم يقبله نظام الأسد, طبعا هل طلب الأسد من حماس مغادرة بلاده أم لا هذا لا يهمنا, ما يهمنا هو أن حماس وجدت لا بد من مغادرة سورية لاعتبارات واضحة واخرى خاصة بها, هذا في مجمله يوضح أن تحالفات الأمس سقطت ورهانات حركة حماس تبدلت.
على الطرف الآخر من المعادلة وبالنظر إلى المحور الآخر الذي كان يضم مصر والسعودية والأردن وما يسمى بمحور الاعتدال, فقد تغير نظام مبارك التي كانت تعتبره حركة حماس أنه منحاز إلى السلطة الفلسطينية وكان يناصب العداء إلى النظام السوري وإيران وجاء نظام جديد انتقالي عنوانه الجيش ومنذ أن استلم الجيش دفة الحكم في مصر أعلن أنه منفتح على الجميع وأن إيران لا تعتبر دولة عدو ويرغب بفتح علاقات معها, كما رحب النظام السوري بحكم الجيش وهذا أنهى فصلا طويلا من الصراع الخفي في المنطقة العربية.
إذن حماس وجدت انه لا حرج في أن تتوجه إلى مصر الجديدة بتركيبتها المقبولة لدى الجميع وتفتح معها باب حوار جديد بكل ما يتعلق بقطاع غزة خاصة معبر رفح, ووجدت قبولا وحوارا مختلف عن سابقه وشعرت أن النظام الحالي في مصر يقف على مساحة واحدة منها ومن حركة فتح, إضافة إلى أزمة الوجود في سورية وتبدل خارطة التحالفات وجدت حماس أن إنهاء ملف الانقسام أصبح لابد من انتهائه، فسنوات الانقسام لم تغير شيء وسنوات من الرهانات لم تقدم شيء وسنوات من العزلة لها وفي ذات الوقت الانفتاح الدائم على السلطة الفلسطينية من قبل الدول العربية والمجتمع الدولي, غير أنها ربما فقدت أكبر حلفائها العرب (سورية) وقد يترتب على ذلك فقدان الداعم الرئيس ( إيران ), لذلك ولاعتبارات وطنية أصيلة ذهبت حماس للتوقيع.
اليوم أوجه دعوة للتفاؤل، فالغالب يعتقد أن ما يتم تكتيك سرعان ما ينقضي إذا عاد التوازن إلى المنطقة وإلى خارطة التحالفات وهذا ما لا اعتقده فقادة حماس أكثر ذكاء من ذلك, فحين وضعوا على المحك مع سورية قررت الاستغناء عنهم وإن هدأت سورية وبقي نظام الأسد لن تعود حماس كما كانت ولن تسلم مقاليد أمورها مرة اخرى لسورية الحالية, كما أن البعض يتحدث عن وفاق مؤقت لاعتبارات الجغرافية والأمن وهذا أيضا مستبعد لأن فتح منذ فترة قررت عدم المراهنة على الداعم الأمريكي وشريك السلام الإسرائيلي, وقنعت أن الوحدة الوطنية هي طوق النجاة من كل ضار, وهذا ما بدأ ينمو في خاطر قيادات حركة حماس وقريبا سيصبح قناعة فهم جربوا كل شيء ولم يحققوا ما يمكن أن يحققوه في ظل الوفاق, وقد آن الأوان ليعودوا للوحدة.
معظم الكتاب والمثقفين كتبوا حول جدوى المساعدات الأمريكية والتلويح بقطعها وردوا بما يجب وأكثر, ولا أزيد غير أن الولايات المتحدة هددت في حال شارك الإخوان المسلمين في مصر بالحكم سوف تقطع المساعدات وبماذا ردوا المصريين بأن (اقطعوها) وحدتنا أبقى وأنفع من مساعداتكم، وسوف يشارك الإخوان وأنشأوا حزبا جديدا لخوض الانتخابات ولم تعقب الولايات المتحدة والتزمت الصمت لأنها علمت أن مصر الجديدة ترفض الاذعان والتبعية والفلسطينيون أولى من غيرهم برفض الخنوع والإذعان, وما يدعوا للطمأنينة أن السيد الرئيس وجه أكثر ما يزيد عن عشرة لاءات للولايات المتحدة وسيستمر طالما وجد أن المصالحة تتم على قدم وساق مع وجود نوايا حسنة ظاهرة من قبل الإخوة في حركة حماس.
أما فيما يتعلق ببعبعة نتنياهو وبيريز وليبرمان وغيرهم من طهابيب الاحتلال الإسرائيلي فلا فتح ولا حماس سوف تلقي بالا لها حتى إن قاطعوا الحكومة المقبلة فوحدتنا أهم, حتى إن قرروا عدم التفاوض فما الجديد هم ليس شريكا للسلام والجميع قانع بذلك, و إن قرروا اجتياح أو حرب هنا أو هناك فهذا قدرنا وواقعنا نحياه كل يوم, وأي خطوة سوف تتخذها الحكومة الإسرائيلية ضد الفلسطينيون لا تفاجئ أحد وإنما تثبت أنها ليست شريك للسلام.
إخواننا حركتي فتح وحماس إن الشعب يثمن خطواتكم ويباركها ويقف خلفكم بكل صلابة فمهما كانت النتائج المترتبة على الاتفاق نحن نقبل بها ونشكركم عليها حتى وإن كانت قطع مساعدات ووقف مفاوضات, سيروا على بركة الله فالتحدي أمامنا كبير والرهانات على فشلنا أكبر, فما لا يعلمه الاحتلال والولايات المتحدة أن عزيمتنا وإرادتنا تفوق قوتهم وتغنينا عن مساعداتهم.