الاثنين، 30 ديسمبر 2013

ضم الأغوار وهيبة الولايات المتحدة الأمريكية



ضم الأغوار وهيبة الولايات المتحدة الأمريكية
د. صلاح الوادية
منذ أن قدم كيري إلى المنطقة والمصائب تحل على الفلسطينيين، على عكس ما كان يجب أن يكون مثلما يدعي الأمريكان، ومنذ أن قدم لم يكف عن إطلاق التهديدات للفلسطينيين بعدم التوجه للأمم المتحدة وغيرها، بتنا نشعر أن قدومه إلى المنطقة نذير شؤم لا رسول سلام، خصوصا أنه قادم إلينا في غضون أيام.
حيث زادت وتيرة الاستيطان في فترة وساطته بشكل مهول، وضم الأراضي تسارع على قدم وساق، وبات نتنياهو مسعورا في تعامله مع ملف المفاوضات، وظهور مخطط برافر لضم أراضي النقب، والآن مشروع جديد بضم الأغوار لدولة الإحتلال وإعتبارها جزءا من كيانها.
الولايات المتحدة تبحث عن أي إنجاز في المنطقة العربية وبأي ثمن، وسوف يكون الانجاز اتفاق عقيم مشوه في حال توصلوا إلى إتفاق، أو في أحسن الأحوال مؤتمر للسلام على شاكلة مؤتمر أنابوليس لحفظ ماء وجه الإدارة الأمريكية الحالية، هذا في ظل وجود علاقات متوترة وغير متوازنة بين الإداراة الأمريكية ونتنياهو، وتعنت وعناد ورفض من قبل الأخير لأي فرض من قبل الولايات المتحدة على دولة الإحتلال.
طبعا الطرف الفلسطيني هو الحلقة الأضعف في الصراع وهو الطرف الأضعف في التفاوض، بالتالي لن تستطيع الولايات المتحدة أن تفرض على دولة الاحتلال ما تريده أو ترتأيه لحل الصراع، وإنما هي فقط قادرة على إرغام الفلسطينيين للاستمرار في التفاوض والمكوث على طاولة مفاوضات مفخخة بوجه المفاوض الفلسطيني وتضييع المزيد من الوقت وفي النهاية الرهان على قبول الفلسطينيين بأي اتفاق يرشح عن جهود كيري، وما نعول كثيرا عليه هو عدم قبول الرئيس عباس بأي إتفاق مجحف وغير متوازن وغير عادل وغير مرضي للفلسطينيين وله هو شخصيا.
في الأمس القريب أقر كنيست الاحتلال مشروع قانون بضم الأغوار لباقي الكيان واعتبار أراضي الأغوار جزء من دولة الاحتلال ويسري عليها قوانين دولته، وسيتم اعتباره ساريا في غضون أيام بعد التصويت عليه واعتماد حكومة نتنياهو له، وهذه جريمة كبيرة واحتلال جديد تضاف إلى سجل وتاريخ اليهود ودولتهم الغاصبة، وهي أيضا نكبة جديدة في تاريخ الأرض الفلسطينية والشعب الفلسطيني إذا ما تم تطبيق المشروع فعلا، وهذا يثبت أن الاحتلال لن يكون يوما جادا في السلام.
على أثر المشروع ظهرت ردود أفعال من دولة الاحتلال والأمريكان والفلسطينيين، حيث إنقسم المشهد الرسمي لدولة الاحتلال بين معارض ومؤيد للمشروع، واعتبره المعارضين أنه لا يستحق الحبر الذي كتب به وأنه سيقوض أي اتفاق أو جهود للسلام بل إنه سيقيد نتنياهو ذاته، أما الطرف الفلسطيني فقد اعتبر المشروع وعلى لسان عريقات أنه فصل عنصري وتهديد لعملية السلام وبأن الفلسطينيين سيتوجهون للأمم المتحدة للمطالبة بالاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، أما الموقف الأغرب فهو موقف الطرف الأمريكي الراعي للسلام فقد جاء رد فعله الأولي على لسان سفير الولايات المتحدة لدى دولة الاحتلال (دان شابيرو) بأن على الفلسطينيين عدم التوجه للأمم المتحدة حتى لا يتجاوزوا الخطوط الحمر التي وضعت لهم وأن عليهم الالتزام بالتفاوض.
الأحرى بالولايات المتحدة أن تهدد إسرائيل وتمنعها من إقرار مشروع ضم الأغوار حتى يستمر مشروع السلام الذي يطرحه كيري والذي يعتمد بالأساس على أراضي الأغوار، بدلا من ذلك يهددوا الفلسطينيين، مما لا شك فيه أن هيبة الولايات المتحدة تزعزت كثيرا في المنطقة من خلال تبنيها الدفاع عن الإخوان المسلمين وخسارة الجيش في القاهرة وعدم قدرتها على الإطاحة بنظام الأسد وعدم مقدرتها على ثني إيران عن مشروعها النووي والتحول بدلا من التهديد والعنف إلى التقرب من إيران، أما دولة الاحتلال فقط أحرجت الولايات المتحدة أكثر من مرة من خلال عناد نتنياهو وعدم إلتزامه بأي تصريح أو طلب أمريكي من دولته.
لم يتبق للولايات المتحدة هيبة ولا مصداقية على مستوى العالم وتحديدا في المنطقة العربية وما يجاورها (منطقة الشرق الأوسط) وخاصة في ملف التفاوض بين الفلسطينيين والاحتلال نظرا لأنهم طرف غير محايد وغير قادر على تمرير رؤاه كقوة عالمية ملزمة للأطراف المتصارعة.
ضم الأغوار من شأنه أن يطيل عمر الصراع ويدخله في مراحل جديدة ولن تكون المفاوضات هي الشكل الوحيد للنضال وإنما سيجد الفلسطينيون أنفسهم أمام خيارات أخرى كثيرة منها الانتفاضة الثالثة والمقاومة الشعبية والسلمية والمدنية والعمليات المسلحة وفتح الإحتمالات على مصراعيها.

الثلاثاء، 24 ديسمبر 2013

شارع النفق المسؤولية والتداعيات



شارع النفق المسؤولية والتداعيات
د. صلاح الوادية
كاتب وباحث سياسي
يعيش قطاع غزة أزمة حقيقية في مياه الشرب من حيث حجم الاستهلاك وعدم صالحيتها للشرب وتلاشيها على الأمد البعيد، وهو الأمر الذي حذر منه سابقا وزير الزراعة في الحكومة المقالة حيث قال أن أكثر من 95% من المياه الجوفية في قطاع غزة غير صالحة للشرب أو الاستخدام الآدمي بشكل عام، ما ينذر بانتشار العديد من الأمراض والأوبئة في صفوف المواطنين، كما طالب المواطنين بترشيد الاستهلاك حفاظا على الحد الأدنى الممكن من المياه الصالحة للشرب.
حكومة تعي درجة الخطر المحدق بالمواطنين وتحذر منه وجب عليها أن تعمل كل السبل الممكنة لدرء هذا الخطر، أو تبتدع حلول ممكنة وواقعية، أو تعلن عن عدم مقدرتها على حل مشاكل المواطنين، وبالتالي غير قادرة على إدارة الحياة اليومية للمواطنين.
عندما بدأ الحديث عن قدوم منخفض عميق للمنطقة وبأن فلسطين سينالها نصيب كبير من حمولة هذا المنخفض من مياه وثلوج سارع المسؤولون في حكومة غزة من وزارة التربية والصحة والبلديات وأولها بلدية غزة والأشغال للإعلان عن جاهزيتها لاستقبال المنخفض وأنها قامت بفحص وتنظيف مصافي الأمطار لاستيعاب الكميات المتزايدة من الأمطار، وكنت أتمنى أن يتم الإعلان عن عدة مشاريع إبداعية لاحتواء مياه الأمطار وتحويلها إلى مياه صالحة للشرب في ظل أزمة المياه الحالية ولكن هذا لم يتم.
جاء المنخفض وضرب فلسطين بقوة أحدثت أضرار عديدة في الضفة الغربية تصل كلفتها الملايين نتيجة الحجم المهول للثلج الذي أصاب قطاع الزراعة، أما قطاع غزة فاتضح أن مصافي الأمطار ليست نظيفة كما تم الإعلان عنها ومناهل الصرف الصحي أغرقت الشوارع نتيجة الأوساخ التي بها، والطامة الكبرى كانت في مدينة غزة في شارع النفق المجاور لبركة الشيخ رضوان التي يتم تجميع مياه الأمطار فيها ومن ثم إعادة ضخها آنيا إلى البحر عبر مضختين إحداها متوقفة عن العمل منذ سنوات، حيث تم تعطيل المضخة الوحيدة التي تعمل مما أدى إلى تراكم مياه الأمطار من عدة أماكن في بركة الشيخ رضوان وتزايدت بشكل متسارع فامتلأت وبدأت تخرج منها المياه العادمة ومياه الأمطار نحو المنطقة المنخفضة المجاورة لها وهي شارع النفق فأغرقت الشارع بأكمله تقريبا وبه عشرات البيوت التي أصبحت تحت المياه جزئيا أو كليا مما أدى إلى خروج السكان إلى المدارس كمأوى والبعض ما زال صامدا في بيته ولكن في الطوابق العليا التي لم تصلها المياه، وما زال شارع النفق وبيوته غارقة في المياه العادمة ومياه أمطار المنخفض الذي أعلنت حكومة غزة استعدادها له حتى الآن.
هنا يثار إتهام بين أوساط العامة من سكان المنطقة بأنه تم إيقاف المضخة عمدا حتى تحدث حالات غرق تصلح للبكاء على معاناة الغرقى من قبل المسؤولين لاستجلاب الدعم من الخارج، شخصيا أستبعد ذلك وأقول بأن السبب هو إهمال من قبل المسؤولين بدءا من رئيس البلدية وحتى الشخص المسؤول عن تشغيل تلك المضخة، ويجب محاسبتهم عن معاناة الناس ومحاسبة كل من أعلن عن جاهزية مؤسسته وهو غير جاهز بالمطلق لما فيه من استخفاف بعقول المواطنين، ولو حدثت تلك الكارثة في دولة محترمة لديها حكومة قادرة على إدارة شؤون المواطنين لتم محاسبة شريحة واسعة من المسؤولين وعلى رأسهم رئيس البلدية، فالمحطة تم إيقافها فعلا، أما السبب فهو غير معلوم بعد، وإن كانت الحجة نقص الوقود فالحكومة هي المسؤولة عن أزمة الوقود وليس الناس الأبرياء.
جدير بالذكر أن بيوت الأسر المتضررة لن تصبح صالحة للسكن بعد أن تنحصر المياه عنهم لأنها ضربت الأساسات، والمصانع والمحلات كلها أعدمت، فهل سيتم تعويض المتضررين بالحجم الحقيقي لضررهم أم هي أزمة وستنقضي بأقل التكاليف.

salahwadia@gmail.com

الأحد، 22 ديسمبر 2013

المفاوضات وحق الإقرار الشعبي



المفاوضات وحق الإقرار الشعبي
د. صلاح الوادية
كاتب وباحث سياسي
ما يقارب العقدين من المفاوضات الحثيثة في حياة القائد عرفات الذي أقر في نهاية المطاف بعقم المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي المماطل، لم تنجب هذه المفاوضات إلا اتفاقا غير رحيم بالفلسطينيين أضاع عليهم الوقت وأهدر حقوقهم في فلسطين التاريخية وكبلهم جغرافيا واقتصاديا، المفاوضات هي التي دفعت الراحل عرفات إلى مقاومة المخرز تسليما لأذاه على أن يغض البصر عن مخاض محتمل مشوه لتلك المفاوضات.
السيد الرئيس محمود عباس يؤمن كل الإيمان إيمانا بالثلاثة أن الحل الوحيد والأمثل والأنجح والأنجع هو المفاوضات (المفاوضات ثم المفاوضات ثم المفاوضات)، رغم أنه يعتصر ألما كل يوم من نتائج المفاوضات السابقة التي جلبت الحواجز والتقسيم وفقدان الجغرافيا وضعف التسليح والتكبيل الاقتصادي المجحف باتفاقية باريس غير العادلة، والتصريح الشخصي لسيادته بالتنقل على الأرض الفلسطينية، والاقتصاد الفلسطيني الذي قوامه معبر إسرائيلي التحكم، وإدارة حياة المواطنين يوم بيوم، وموازنات تتطلب التسول قبل نهاية كل شهر، ومستوطنات تنهش جسد الوطن بالكامل، وغيرها الكثير من مآسي أوسلو يعيشها الرئيس عباس يوميا وساعة بساعة هو دون سواه، ومع ذلك لا يؤمن سيادته إلا بالمفاوضات.
مفاوضات اليوم لا تختلف عن الأمس قيد أنملة إلا بوجوه الرعاة والمفاوضين، هل سيكون الطرف الأمريكي محايدا اليوم بخلاف الأمس، حيث كان يعرف أن الطرف الفلسطيني يعاني ضغوطا أكبر بكثير من قبل الأمريكان مما يعانيه من الطرف الإسرائيلي، بالمطلق لا لن يكون حياديا والدليل التهديد المتكرر للطرف الفلسطيني بوقف المساعدات، والالتزام المطلق بأمن إسرائيل، وتقديم الأمن في التفاوض على الحدود عكس رغبة الطرف الفلسطيني وتسايرا مع رغبة الطرف الاسرائيلي، والحلول النتقالية، ومع ذلك تستمر المفاوضات، مع علمنا المطلق بعدم رغبة إسرائيل في الوصول إلى حلول ومع ذلك نعول على إحراجها دوليا.
الرئيس عباس وعد الشعب الفلسطيني بأنه لن يوقع على أي اتفاق مع الجانب الإسرائيلي إلا بعد أن يخضع هذا الاتفاق لاستفتاء شعبي كامل وأنه سيلتزم بنتيجة الاستفتاء، هذا جيد ولكن هل حقا سيتمكن الرئيس عباس في حين تم التوصل إلى حل أن يقول لكيري أو من وراؤه تمهلوا حتى أرى رأي الناس، وإن كان كذلك فلماذا لا يتم إخضاع قرار الاستمرار في التفاوض والتمديد لعام آخر لاستفتاء شعبي، نظرا لعدم نجاعة تلك المفاوضات بات من الضروري الاحتكام للشعب ليصادق على أو يرفض البرنامج السياسي التفاوضي للسيد الرئيس، وحينها يكون الرئيس له سندا شعبيا في قوله لا أو نعم، أن يوقف المفاوضات أو يستمر فيها، ويستطيع أن يسكت الجميع أو أن يلتزم كونه مواطنا فلسطينيا بالأساس للإجماع الشعبي.
تحدثنا كثيرا مسبقا عن براعة وقدرة وتفرد الطاقم المفاوض برئاسة عريقات وهل هو حقا منقطع النظير، ولديه نظرة ثاقبة في رغبته الدائمة بالتفاوض، وأن الحياة السياسية الفلسطينية بات محورها التفاوض، قبل ذلك كان أبو العلاء قريع ومحمد دحلان وحسن عصفور أقوى المفاوضين إلى جانب عريقات ويؤمنوا إيمانا مطلقا في المفاوضات اليوم نجد هؤلاء يعلنون ليلا نهارا أن المفاوضات بشكلها وبرنامجها الحالي هي مضيعة للوقت وخطرا حقيقيا على المشروع الوطني الفلسطيني، وأعتقد جازما أن صائب عريقات يوما ما سيكتب عن سلبية المفاوضات وسيحذر من عدم جدية المفاوض الاسرائيلي وعدم حياد الراعي الأمريكي وسيعلن عن رفضه للتفاوض مستقبلا نتيجة لخبرته الطويلة مع الطرف الاسرائيلي.
يجب العودة إلى الشعب ليقرر ما هو مفيد له وما هو غير مفيد له، ما يرغب فيه وما لا يرغب فيه، المستقبل الفلسطيني ملك للجميع ولا يجوز رسمه بعيدا عن الكل الوطني والإجماع الشعبي.

الاثنين، 8 يوليو 2013

جماعة الإخوان المسلمين وتاريخ الصراع في مصر



جماعة الإخوان المسلمين وتاريخ الصراع في مصر
د. صلاح الوادية
للإخوان المسلمين تاريخ حافل بالأحداث والصراعات، ولنبدأ بالنشأة، حيث نشأت جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 على يد المرشد الأول المؤسس حسن البنا، وكان الهدف المعلن من تشكيلها نشر التعاليم الدينية والتمسك بها وتفقيه العباد، وكان واضحا من أهداف النشأة المعلنة الغيرة على الدين الإسلامي الذي كان يواجه قصوراً آنذاك حسب رؤية الإخوان.
وخلال بضع سنوات ومنذ عام 1938 باتت الجماعة تتدخل في كل شاردة وواردة في الحياة اليومية العامة السياسية والاجتماعية و الإقتصادية في مصر، بل لفظت الدستور وأوضحت أن الدستور الواجب اتباعه هو القرآن.
ولم يكتفي حسن البنا بذلك بل راسل حكام العالم العربي والإسلامي وناداهم بالعمل على دفع المسلمين للتمسك بإسلامهم من خلال العمل بخمسين مطلب حددها خطابه.
إن المتتبع لتاريخ الإخوان يلاحظ أنه منذ السنوات الاولى للنشأة وحتى الان والجماعة تمر بل وتدير صراعات مع كل الحكام الذين مروا على مصر بل وخلافات شديدة مع معظم القوى السياسية من الوفد وصولاً إلى حزب النور السلفي الذي كان حليفهم بالأمس، ولتتبع ذلك نمر سريعاً على الأنظمة المختلفة منذ ظهور الإخوان حتى وقتنا هذا وعلاقة الإخوان بهم.
أولا: نظام الملك فاروق.
كانت العلاقة وطيدة بين جماعة الإخوان والقصر وكان للجماعة حرية العمل حتى باتت تنافس شعبية حزب الوفد نتيجة توسعهم الكبير شعبوياً، إلى أن وقعت أحداث التفجيرات وإلقاء القنابل والذي تم اتهام الجماعة بها، وعلى أثرها ونتيجة لقلق الملك من توسعهم، تم حل الجماعة وبعدها أُغتيل البنا الأمر الذي بعث بالطمأنينة في صدر الملك، ولم تعد الجماعة للعمل إلا عام 1951.
ثانيا: نظام جمال عبد الناصر.
ساندت الجماعة الضباط الأحرار في ثورة 32 يوليو، وكانت علاقتها مميزة بقيادة الثورة لدرجة أن مجلس قيادة الثورة حل جميع الأحزاب ما عدا جماعة الإخوان المسلمين لأنها قدمت نفسها في حينه على أنها جماعة دينية دعوية لا تهتم بمجال السياسة ولا تهتم بالحكم ولا الإنتخابات.
وسرعان ما بدأت المواجهة مع عبد الناصر، عندما طالبت الجماعة ضباط الثورة العودة للثكنات وإعادة المدنية والنيابية للبلاد، وذلك على أثر رفض عبد الناصر عرض تقدمت به الجماعة بالتدخل في قرارات مجلس قيادة الثورة والتعديل عليها بما يتلائم والشريعة، وفي 26 أكتوبر 1954 تعرض عبد الناصر لمحاولة إغتيال على يد أحد المنتمين للجماعة مما دفع بقيادة الثورة لشن حملة إعتقال  واسعة في صفوف الجماعة وإعلان حظرها، إضافة إلى إعدام بعض من قياداتها ومفكريها وعلى رأسهم سيد قطب المفكر الأول للجماعة.
ثالثا: نظام أنور السادات.
تحسنت علاقة الجماعة بالسادات بعد سياسة المصالحة التي اتبعها عقب توليه السلطة وتبييض السجون وإغلاقها، وأعطى الجماعة مساحة جيدة من حرية العمل والرأي، حتى جاءت اتفاقية كامب ديفيد للسلام 1977 التي عارضتها الجماعة أيما معارضة، الأمر الذي اضطر معه السادات لاعتقال معضم الفاعلين السياسيين للجماعة وباقي القوى السياسية، وتضييق الخناق على الجماعة، على أثر ذلك تحركت مجموعة من الإسلاميين القريبين من الإخوان لاغتيال السادات وقد نجحوا في ذلك عام 1981.
رابعا: نظام محمد حسني مبارك.
على غرار سابقيه بدأ مبارك عهده بمصالحة وطنية شاملة طالت كل القوى السياسية وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، واستمر الوفاق بين السلطة والجماعة ما يقارب عشرة سنوات، وكان هناك مساحة لا بأس بها من الحرية في العمل للإخوان، حتى بدأت الجماعة معارضة حكم مبارك بحجة علاقته ببعض الدول الغربية والشيوعية واسرائيل.
وبدأ النظام يشن حملات اعتقال واسعة وموسمية زادت على أثرها الفجوة بين النظام والجماعة، وكثفت الجماعة أيضاً من نشاطها المعارض وصدامها مع النظام.
وأذا تأملنا الرصد السابق لتاريخ الجماعة مع السلطة نجدها أنها بدأت علاقتها مع كل الحكام بوفاق نتيجة سياسة الحكام في بداية عهدهم، ثم تنقلب العلاقة إلى صراع وخلافات ومعارضة شديدة نتيجة الإعتراض الدائم لسياسات الحكومة وإصرار الجماعة التدخل في الشأن السياسي للنظام، وهو الشئ الذي ما رفضته جميع الأنظمة التي عاصرها الإخوان.
كما نلاحظ أن الجماعة عندما اختلفت مع القصر في عهد الملك فاروق مهدت إلى استخدام العنف والتفجيرات، وفي عهد عبد الناصر حاولت الجماعة اغتياله شخصياً ولكنها فشلت، وفي عهد السادات نجحت جماعة إسلامية قريبة من الإخوان إغتيال السادات، أما في عهد مبارك فنجد مصر في فترة التسعينيات شهدت أحداث عنف كبيرة راح ضحيتها الكثير من الأبرياء وتلك التفجيرات اتهم فيها الإخوان، وهذا يدعونا إلى القول أن أقصر الطرق لتحقيق أهداف الجماعة في الفكر الإخواني هو العنف والإقصاء.
الصراع والخلاف الذي رسمته جماعة الإخوان كخيار أول لها مع السلطة إنسحب على علاقتها مع القوى السياسية حتى المتفقة معها على معارضة النظام، فهي ترفض كل التيارات والقوى السياسية غير الإسلامية مثل الليبراليون والعلمانيون والشيوعيون والناصريون والفديون وغيرهم بل وتكفيرالبعض منهم، وحتى القوى السياسية الاسلامية التي تختلف معها ترفضها أيضاً وتهاجمها مثال ذلك خلافها مع حزب النور السلفي الذي انسحب من التحالف الإسلامي لنصرة شرعية مرسي وطالب بانتخابات مبكرة، حيث هاجموه بأشد وأغلظ الألفاظ وهاجموا بيوت بعض قياداته، بل وكفره بعض قيادات الإخوان.
وفكرة الرفض الإخواني تعود إلى المؤسس حسن البنا الذي رفض الحزبية وأعلن عداءه للأحزاب السياسية وأعتبرها نتاج أنظمة مستوردة ولا تتلاءم مع البيئة المصرية وأنه لا حزبية في الاسلام، على اعتبار أن جماعة الاخوان المسلمين ليست حزباً وإنما جماعة دينية دعوية.
عقب ثورة 25 يناير أسس الإخوان حزب الحرية والعدالة وتم انتخاب محمد مرسي رئيساً للحزب من قِبل مجلس شورى الإخوان، وفي 24 يونيو 2012 تم إعلان فوز محمد مرسي برئاسة مصر، وهذا الذي طالما طمحت إليه الجماعة منذ بداياتها وهو التأثير في السلطة على الأقل وصولاً لسدة الحكم، وقد تحقق لها ذلك أخيراً، ولكن الإخوان أخطأوا كعادتهم فهم تعاملوا على أنهم وحدهم في الساحة السياسية والسلطوية المصرية وتجاهلوا الجميع الجيش والأحزاب والشعب، وكانت قراراتهم منفردة والتشكيلات والتغيرات التي قام بها الرئيس مرسي لصالح الاخوان من حيث أخونة المؤسسات والمحافظات والحكومة وإهانة الجيش بإقالة قادته وعدم استشارتهم في أمور الحكم، وفشل الحوار مع القوى السياسية، وشعور الإخوان بأنهم ليسوا بحاجة للقوى السياسية لإدارة الدولة، وتمرير جماعة الإخوان لدستور يتناسق مع فكرها باستفتاء طعنت القوى السياسية بصحته، وعدم أخذ وإحترام آراء الأقباط في ذلك الدستور، وتشكيل حكومة بأغلبية إخوانية، وعدم مقدرة مرسي على إحتواء المؤسسة الأمنية متمثلة في الداخلية ومهاجمتها لفظياً، والمواجهة مع الصحافة والإعلاميين نتيجة عدم إكتراث مرسي لهم بل ووصفهم بمنتهكي القانون، ومعاداته للمعارضة من خلال خطاباته التحريضية والاستخفافية بهم، ووصف حركة تمرد والشباب في الميادين بالفلول مما زاد من غضبهم عليه.
وسيطرة خيرت الشاطر العقل الاقتصادي للجماعة على الكثير من المصانع والبضائع والوكالات وزيادة ثروته بشكل مهول حتى وصلت مليارات.
كل ذلك مرده فكرة الهيمنة لدى جماعة الإخوان كتنظيم قوي متماسك قادر على إدارة حكم البلاد منفرداً، دون حاجته لأحد، ولفكرة تكفير الآخر التي تلازم الجماعة.
على الإخوان مراجعة حساباتهم وطرق تعاملهم مع الآخر وسبل عيشهم وانتشارهم بين الناس، كما عليهم احترام عقول الاخرين وعدم اللعب بالدين والقدسية الإلهية، وإعادة ترتيب صفوفهم للسباق الإنتخابي القادم، والذي يجب أن يتم في اطار من المناقشة بمحبة وقبول وإلغاء فكرة الرفض من منهجهم.
إن عزل الجيش لمرسي جاء نتيجة لاستفتاء شعبي واسع وكبير وغير مسبوق، من خلال الملايين التي طافت في الشوارع والميادين، وفكرة الشرعية هي ملك للشعب وللشعب ولا يجب أن تستخدم ضده، فالأصل في الديمقراطية هي رضى الشعب لا إرغامه وإلا بماذا اختلفت الديمقراطية عن الاستبداد والدكتاتورية.
وإذا سلمنا بأن عزل مرسي إنقلاب، فإن الجماعة هي من بدأت بالإنقلاب على الشعب عندما سرقت الثورة بعدما لحقت بها متأخرة، وهي التي خطفت الحكم لها وحدها ولم تشرك به الثوار ولا القوى السياسية ولا الشعب، وهي التي جعلت من أصدقاء الأمس أعداء اليوم.
أتمنى أن لا يعودوا الإخوان لأسلوب تعاملهم المعتاد مع الأزمات، وأن ينبذوا العنف عملاً لا قولاً، وأن يعودوا لينسجموا في النسيج الشعبي والوطني المصري، ولا يكونوا هكذا منفردين كمن يغني خارج السرب.