الأحد، 31 يوليو 2011

وطن على صفيح ساخن

فلسطين، هي الوطن التاريخي للشعب الفلسطيني، وطنه الآن ووطن أباءه وأجداده، ووطن أبناءه، هي تلك الرقعة المقدسة التي باركها الله لعباده، فلسطين تعاني ما تعانيه اليوم من أزمات واعتلالات وسرقة وتقسيم وتهويد، تعاني مالا تتحمله اعتى الأمم، ورغم كل ما تعانيه هذه الارض الطيبة إلا أن أبناءها يزيدون طينها بله ويعتلون جراحها ويرقصون عليها بقصد أو بدون لا فرق طالما الألم واحد، لذلك أردت هنا ذكر ما استطعت حصره وحسب أهميته من قضايا تعيق تقدم الوطن الواحد الذي لم يوجد بعد سوى في وجداننا.

·        الاحتلال، مازالت فلسطين تقبع تحت الاحتلال اللقيط منذ أكثر من ستون عاما، بدد معالمها ولعب في تفاصيل وجهها وحفر قلبها، أتى على كل جميل فيها وترك الفتات من قديمها، حتى فتاتها جميل، ولم يتحرر من هذا الاحتلال سوى جزء صغير من الوطن الأم وهو غزة رغم أن الاحتلال يضرب عليها حصار جائر ظالم ضيق الخناق على سكانها وبدل مفاهيم الفرح لدى ناسها.

·        الاستيطان، أشرس أداة استخدمها الاحتلال لتثبيت وجوده، الذي يلتهم الأرض يوميا ويفرغها من سكانها الأصليين ويغير شكلها، يأتي كل يوم على جبالها الشامخة ليبني عليها مستوطنات غاشمة معتدية، ويحول مسار مياهها الجوفية العذبة ليستفيد منها المستوطنين، كما أن من أخطر المخططات الاستيطانية الجدار العازل الذي يقسم الأراضي ويبتلعها، إن الاستيطان مستمر بشكل يومي لم يقف لحظة، وهو المناط به الإتيان على ما تبقى من فلسطين العربية، إضافة إلى الحفريات التي تتم تحت وحول المسجد والتي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي والتي بدأت مراحله الأولى بعد نكسة 1967، حيث يزعمون وجود هيكل سليمان تحت المسجد الأقصى لكنهم لم يجدوا حتى الآن سوى أثار إسلامية قديمة.

·        الفصل العنصري، لم يكتف الاحتلال بسرقة الأرض ولكنه عمل على تقسيمها وفصلها عن بعضها جغرافيا وديموغرافيا، حيث تم فصل قطاع غزة كليا عن الضفة الغربية وتم فصل مدن الضفة الغربية عن بعضها بمئات الحواجز، وتم فصل القدس عن كل الوطن، وتم عزل عرب 48 عن باقي الوطن، مما عمل على تعزيز الفئوية والنعرات المناطقية، حيث بات الفرد يشعر أنه منتمي لمدينته ولمنطقته الجغرافية أكثر من انتمائه للوطن لأنه لم يرى من هذا الوطن إلا منطقته، ولأن مصالحه تنحصر في هذه المنطقة، ولأن أصدقائه وأسرته وعائلته كلها في هذه المنطقة، هذا هو العزل.

·        الانقسام، ما زاد الطين بله أننا لم نكتفي بتقسيمات الاحتلال وعزله لنا، ولكننا دسنا على جراحنا وعمقناها بالانفصال الديموغرافي الذي سببه الانقسام الأسود عقب سيطرة حماس على قطاع غزة، فعل الانقسام مالم يستطيع فعله الاحتلال حيث قسم الوطن إلى شطرين متناحرين كل منهم ينفذ أجندته الخاصة وفق توجهاته وعلاقاته ومصالحه وضاع الشعب بين حانة ومانة.

·        الحصار، ذلك المضروب على قطاع غزة منذ الانقسام حيث يعاني قطاع غزة من حصار مالي ومادي ومعنوي بكل تفاصيله، هذا الحصار يشارك فيه إلى جانب اسرائيل المجتمع الدولي، وكثيرا ما حاول أهالي قطاع غزة وعلى رأسهم حماس خرق هذا الحصار معنويا عن طريق استقبال قوافل المساعدات البرية وسفن كسر الحصار ووفود وشخصيات عربية ودولية، صحيح أن حماس لها مالها من موازنات تصلها بانتظام والأنفاق تملأ القطاع بالبضائع ولكن هذا مؤقت ومرتهن بالهدوء الاسرائيلي، فإذا بدأت اسرائيل بعملية صغيرة لقصف الأنفاق، دخل القطاع في غيبوبة وجفاف حقيقي، إلى جانب أن السلطة الفلسطينية تمر في الآونة الأخيرة بحصار جديد من نوع آخر حصار فيه شيء من المساومة يمنعها من التحرك نحو حقوقها، حصار سببه شريك المفاوضات الاسرائيلي والراعي الأمريكي، والدول العربية كعادتها لا تفي بالتزاماتها ربما هي مدفوعة لعدم الالتزام، ولكن السلطة اليوم تدعو للتقشف وشد البطون، وهنا يلتقي الجمعان، فكل فلسطيني بات محاصر ومن نفس الجهات.

·        المصالحة الوطنية، بات المصطلح ديدن كل جلسة وكل حوار حتى أصبح موضة وطنية بامتياز، وهذا حق مشروع فالانقسام هزم نفوسنا وفرقنا في بيوتنا وقتل خيرة شبابنا وعرض المناضلين الوطنين للتعذيب والبطش، وحان أوان وأد الفتنة، فقد حاول الكثير من كتاب ومثقفين وأحزاب ومستقلين وأشقاء وعرب وأصدقاء دفع الطرفين المتخاصمين نحو اللحمة ولكنهم دوما يحبطون بسبب تعنت هذا وكبرياء ذاك، وقريبا ولشيء في صدورهم فقط ولالتقاء مصالحهم أعلنوا فجأة عن نجاح المصالحة, ورغم أننا ذهلنا لأنه شيء غير متوقع لكننا بملء حناجرنا هتفنا وباركنا وعنفنا من يقف ضد المصالحة ومن يتشاءم، وسرعان ما تراجعت فرصتنا وسقط منطاد الأمل الذي رفعنا, عندما لم يتم تطبيق المصالحة وعندما علمنا أن المصالحة التي أعلنوها ما هي إلا تكريس أكبر للانقسام ومجرد التقاء مصالح ومجرد تجهيز لرحلة غيبية.

·        استحقاق أيلول، تخوض السلطة الفلسطينية معركة سياسية دبلوماسية طاحنة على المستوى الإقليمي والدولي مع كل ما هو إسرائيلي وصهيوني ومتصهين بهدف الحصول على اعتراف أممي ودولي بدولة فلسطين على حدود 1967, وذلك بعد أن عجز الرئيس عباس عن دفع نتنياهو نحو التوجه للمفاوضات ووقف الاستيطان, فرفع كرت التوجه للأمم المتحدة كسلاح ذو حدين إما أن يخضع نتنياهو ويجلس للمفاوضات أو أن يحصل من خلال الأمم المتحدة في أيلول على اعتراف بدولة ناشئة أو مكاسب سياسية تظهر في حينه, هذه المعركة السياسية تستنفذ كل طاقات القيادة الفلسطينية القيادية والسياسية والاعلامية, لكن هذا الخيار بكل خسائره والوقت المهدور والجهد المبذول أفضل من الوقوف على أبواب الإسرائيليين لاستجداء المفاوضات, حتى وإن كانت نتائجه في علم الغيب فلا بد أن يكون السيد الرئيس في جعبته ما قد يظهره ليبهر به الجميع أو يبدأ به مناورات جديدة بعيدا عن حل السلطة أو ترك الجمل بما حمل والرحيل.

·        الفساد, ارتبطت هذه الكلمة بمعظم الحكومات الفلسطينية السابقة ولم تخلو وزارة من وزير فاسد أو وكلاء وزرات أو مدراء عامون وأحيانا رئيس وزراء ذاته يسوقه الفساد على نحو تقشعر له الابدان, وحكومة فياض الحالية هي أيضاً طالتها الشبهات, حيث في تقرير كنا كتبنا عنه سابقا للصحفية سلوى الرنتيسي كشفت عن مجموعة تجاوزات وهدرا للمال العام في وزراة الشؤون الاجتماعية, ولكن وزيرة الشؤون الاجتماعية ماجدة المصري ردت وبطريقة واثقة أن وزارتها لم تقم بصرف أي من تلك البنود إنما القطاع الاجتماعي في وزارة المالية هو من قام بصرف تلك المبالغ, إذن الوزيرة المصري استبعدت الفساد عنها ولكنها أكدت وجوده في وزارة المالية, وبعد قراءة الأسماء المستفيدة من تلك المبالغ نلاحظ أنها كلها أسماء سيادية وفي مجملها وثقلها أكبر نوعا ما من الوزراء العاديين ومن أن يقوم وزير عادي بصرف مبالغ لهؤلاء الأشخاص كإعانات اجتماعية إنما هو أكبر منهم أي من يقوم بالصرف لهؤلاء القوم يجب أن يكون رئيس أو رئيس وزراء وبما أن وزير المالية هو ذاته رئيس الوزراء إذن الصرف يكون بإذن من رئيس الوزراء وهذا ليس اتهام وإنما أحاول التماشي مع الأحجية وربط خيوطها, وكيف تكون إعانات اجتماعية وتذهب أموالها لعلية القوم, ولماذا قطاع اجتماعي في وزارة المالية وهناك وزارة اسمها وزارة الشؤون الاجتماعية إلا لتغطية ما لا يمكن تغطيته، الفساد تظهر رائحته دوماً ولا تخفيه كل عطور الدنيا.

·        المواطن, أصبح المواطن الفلسطيني صاحب المعنويات الصارخة العارمة القوية دوما يائس هزيل محبط لا حول له ولا قوة فالاحتلال لا ينتهي والدولة لم تأتي والفساد يستشري والفُرقة تسود والانقسام يتكرس والمعابر والطرقات بيد الجندي الإسرائيلي والسفر أصبح رحلة موت وأكثر, والمجتمع المدني بمؤسساته المحلية والدولية تحول إلى شركات استثمارية وأصحاب أجندات دولية وإقليمية والأونروا باتت تراوغ للتلاعب بوطنية المناهج وتقليص خدماتها, المواطن فقير ومعدم فقد الثقة بنفسه وبالقيادة وبالعَلم والقضية, وانقسامكم هو السبب.
إلى المحاربين في معركة أيلول وسفرائنا في كل أرجاء الأرض وقياداتنا المتنقلة دوما وأعانهم الله جميعا, اعلموا يا سادة أن خلفكم وطن أعيته الهموم والمحن وانقسامكم ومراوغتكم في تحقيق المصالحة لذا أرجو لكم التوفيق في أيلول ولكن عندما تعودوا بدلوا أحوالنا وأحوالكم ليصلح بنا الوطن أو ما تبقى منه.
salah_wadia@hotmail.com

الثلاثاء، 19 يوليو 2011

د.فياض: محاسبة الفاسدين أولى من التقشف

منذ أن نشأت السلطة الوطنية ونحن نسمع بظاهرة الفساد الإداري والمالي ومرات عديدة لمسنا هذا الفساد ولاحظناه وربما عانينا منه كلٌ في موقعه وكلٌ حسب حجمه، فقديما عانينا من البلطجة والخاوة وظاهرة بطش المرافقين بالناس، وبسط نفوذ زوجات وأبناء وبنات المسئولين على عباد الله العاديين، وكثيرا ما دعا المظلومين(حسبي الله ونعم الوكيل)، وسابقا كان المناط به محاسبة الفاسدين هو نفسه يحتاج الى محاسبة، مثل النائب العام ورئيس هيئة الرقابة وغيرهم، ولكن هذه المرحلة من تاريخنا انتهت، أو كنا نعتقد أنها انتهت .
كنت قد قرأت تقرير حول الفساد للصحفية سلوى الرنتيسي تحت عنوان (فلسطين: مبالغ تصرف على حساب الشعب وسرقة للمال العام دون رقيب)، حيث ذكرت العديد من التجاوزات المالية بالأرقام وبسندات الصرف لوزراء في حكومة فياض ولقادة ومسئولين في الضفة الغربية، وليس الأمر يقف هنا وإنما كانت سندات الصرف تعود لمحافظين سابقين ولأبنائهم ونتريات بآلاف الشواكل، والطامة الكبرى أن تقريرها يركز على وزارة الشؤون الاجتماعية التي هي بالأساس تعنى بالفقراء والمحتاجين والمساكين وليس كبار المسئولين في السلطة والوزراء وليس دفع فواتير تلفون وكهرباء السيدة الوزيرة، كما أن التقرير ذكر أشخاص يشار لهم بالبنان، إلى هذا الحد نحن مخدوعين بكم ؟ إلى هذا الحد المال يعمي؟ إلى هذا الحد لا توجد رقابة؟
فيما بعد ردت الوزيرة ماجدة المصري على هذا التقرير بنفيه، رغم أنها أوردت في بيانها الصحفي العبارة التالية (بغض النظر عن صحة ودقة ما ورد في التقرير)، وهذا يعني أنها معلومات بها شيء من الخطأ وشيء من الصواب، وفيما بعد أكدت الوزيرة المصري أن رواتب الوزراء عالية وتفوق احتياجاتهم في ظل وجود بدلات ونتريات (وشهد شاهد من أهلها).
سواء كان التقرير السابق صحيح أم غير ذلك فالحق يقال والتجربة خير برهان أن هذا التقرير غيض من فيض من فساد المسئولين الذين يتقنون السرقة ونهب المال العام، ويستسهلون مال الفقراء لأن القانون  يحمي تصرفاتهم، فالوزيرة ماجدة المصري وهي تقوم بنفي التهم المنسوبة لها ولوزارتها تقول (فيما يتعلق بصرف فواتير هاتف وكهرباء وإيجار المنزل المفروش الذي تقيم فيه الوزيرة في مدينة رام الله لأغراض العمل، وكذلك فاتورة هاتف منزل وكيل الوزارة، قالت المصري إن هذا الصرف يتفق مع النظام القانوني الفلسطيني وتحديداً المواد 70،58، 57من النظام المالي للسلطة).
الحق معك معالي الوزيرة فالوزير أو وكيله لا يستطيع دفع فاتورة هاتفه الشخصي من راتبه الضئيل، وطالما أن هذه البنود يغطيها القانون فلا بأس في ذلك (اتقوا الله).
لا تقف الأمور فيعند المساعدات التي تصرف في غير محلها، أو الراتب الخيالي لوزراء تحت الاحتلال، أو دفع فواتير كبار المسئولين، ولكن الأمر يتجاوز ذلك بكثير ليصل إلى دلع الزوجات وتسابقهن في المصاريف والبزخ والبهرجة، وتعلم الأبناء في أفخم المدارس والجامعات الأوروبية والأمريكية، وسيارات بالجملة، حتى المرافقين وزراء أكثر من وزرائهم وهذه الأمور كلها قديمة جديدة، فالفساد في سلطتنا القابعة تحت الاحتلال لا يزول وإنما يبد ملابسه.
نأتي إلى البدلات، فالوزير أو السيد المسئول إلى جانب راتبه الضئيل يأخذ مجموعة من البدلات لتعينه على الحياة، فهو يخدم وطنه لذلك يأخذ بدل مهمات، ويرفع رأس وطنه لذلك يأخذ بدل بُدل، ويفسح وطنه لذلك يأخذ بدل سفر وتذكرة سفر، ولأنه قائد طبعا يصرف له بدل قيادة، ولأنه أحسن من الشعب كله يأخذ سيارات وبنزين للسيارات، وبيت ملك وبدل إيجار، وفواتير غذاء وعشاء، وزوجة ثانية، ويقوم البعض بتوظيف بيبي ستر للكتاكيت على بند مدير، وحدث ولا حرج (إن لم تستحي فأفعل ما شئت).
د.فياض لقد طلعت علينا بمخطط جديد لحماية السلطة وحماية الدولة القادمة من الانهيار ولتستطيع الصمود لذلك يجب علينا أن نتقشف أسوة بمجموعة من الدول  التي عانت من الأزمة المالية، ونحن نتفق مع معاليك ولكن قبل أن يتقشف المواطن العادي وقبل أن يتقشف الموظف البسيط والمتوسط، وقبل أن تبدأ التقشف برواتب الموظفين، عليك أن تبدأ التقشف في وزارتك، ابدأ من وزرائك وكبار المسئولين وكبار الموظفين، لماذا راتب الوزير 3000 دولار ويأخذ نتريات وبدلات بما لا يقل عن هذا المبلغ، لا يجب أن يكون المسئول مدير عام أو وكيل وزارة أو مسئول كبير أو وزير وأبناؤه وزوجته قد اقتربوا من درجته الوظيفية، اسحب السيارات والأراضي والشقق المترامية، لماذا أبنائهم يدرسون في واشنطن بدلا من بيرزيت والنجاح، معالي رئيس الوزراء ابدأ بمن معك وحولك ووزارتك وليكن التقشف تنازلي لا تصاعدي ونحن نقبل به عن طيب خاطر لا مرغمين.
أيها السادة المسئولين عليكم أن تكونوا مثل الناس وبينهم وتحيوا حياتهم لأن مردودكم إليهم ولأنكم منهم أو كنتم منهم، ولأن الله يعلم جيدا ما لكم وما عليكم فإذا تذاكيتم على القانون فلن ينفعكم ذكائكم أمام الله .
أحد الكتاب أحال تقرير الفساد الذي نشرته الزميلة سلوى إلى تصفية حسابات بين المسئولين، وبأنه في غير ميعاده لأن توقيته يخدم إسرائيل ويخلق لها ما تتذرع في أيلول، أقول لزميلي الكاتب إذا كان هذا فعلا تصفية حسابات فليكن ويقوموا بكشف ساحاتهم وذممهم النجسة بشكل أكبر والمستفيد من ذلك هو الوطن والشعب، ولما لا يكون هناك تعديل وزاري حقيقي قبل أيلول ولنذهب إلى أيلول بأيادي نظيفة وقادة حقيقين لا مختلسين، ويبقى قولنا الحاضر دوما (حسبنا الله ونعم الوكيل).