الثلاثاء، 22 نوفمبر 2011

دوافع حركتي فتح وحماس في التوجه نحو المصالحة

سيئة السمعة، بكل تفاصيلها ومراحلها، كان مشكوك في أمرها ولم تكن مقنعة ولن تكون، المصالحة الفلسطينية، التي هللنا لها وهي في مكة وقطر واليمن والقاهرة، وقابلت فرحنا بها بهجر ومقاطعة لا تنتهي، فقد الناس الثقة بالمصالحة والمتصالحين منذ وقت ليس بقصير، وكل جولة نقول ربما تكون الحاسمة والأخيرة أيضا يفشلونها، إذن ما الذي قد يدعونا للتفاؤل هذه المرة وما الذي قد يقنع الناس بأن لقاء عباس - مشعل ربما يكون مثمرا لا مجرد تبادل التهاني لسيطرتهم على الوطن بإحكام.
إذا تناولنا بشيء من التفصيل ظروف حركتي فتح وحماس وفلكيهما اللذان تدوران بهما ربما نجد بارقة أمل بأن المصالحة هذه المرة جدية، وبأنهم ذاهبون لينهوا معاناة الفلسطينيون التي بدأت على أيديهم بسب انقسامهم وتقاسمهم الوطن، فحركة فتح قد تكون مدفوعة تجاه المصالحة بعدة عوامل أهمها :

1.      تشتتها على الصعيد الداخلي، حيث تعاني من ضعف في المرجعيات والأسس التي تبدلت من الكفاح المسلح إلى تبني الخيار التفاوضي فقط، وعدم التواصل مع كل الكادر التنظيمي في قطاع غزة، وتكرار الخطأ الاستراتيجي الذي وقعت به سابقا في غزة بالخلط بين الحركة والسلطة والانشغال بالسلطة على حساب الحركة، أيضا بوادر الانقسام الداخلي غير المعلن الذي تطول حوله النقاشات يوميا والذي جاء بعد قرار فصل السيد الرئيس للسيد محمد دحلان عضو اللجنة المركزية للحركة، وبالتالي هي بحاجة لرأب الصدع ولملمة الجراح والعودة لغزة.
2.      تمسك الرئيس عباس بخيار التفاوض بشكل دائم على الرغم من وضوح نية الجانب الإسرائيلي بعدم رغبته بالسلام وفشل المفاوضات مرارا وتكرارا، ومن ثم عودة السلطة لهذا الخيار أيضا مرارا وتكرارا، ومؤخرا تبنى الرئيس لفكرة التوجه للأمم المتحدة من أجل نزع اعتراف أممي دولي بالعضوية الكاملة في مجلس الأمن، ولكن للأسف مرحليا باء هذا الخيار بالفشل والذي يستحوذ الانقسام الفلسطيني على الجزء الأكبر منه، وبالتالي سقوط خيارات الرئيس عباس مقابل الرفض والتعنت والعنصرية الإسرائيلية وأصبح ليس أمامه أهم من خيار العودة للخندق الفلسطيني.

3.      بعد نجاح حركة حماس في سيطرتها العسكرية والأمنية على قطاع غزة، ونجاحها في ضبط حدود القطاع مع إسرائيل بنسب تفوق المتوقع بل نسب تفوق النسب التي كانت تحققها السلطة في غزة في نفس المضمار، واثبات حماس لإسرائيل أنها الأجدر لأن تكون شريك سلام والإمساك بزمام السلطة ليس في غزة فقط وإنما في الضفة أيضا إن شاءت الأقدار، وبالتالي إحساس أبو مازن بعلو نجم جهة فلسطينية منافسة له قادرة على انتزاع مكانة منظمة التحرير على الصعيد الداخلي والخارجي، مما يضعف فرص تربعه الدائم على عرش قبول المجتمع الدولي له وللمنظمة والعلاقات المميزة مع الولايات المتحدة الأمريكية، لذا الشراكة مع حماس قد تكون أفضل من الاستبدال.
4.      ما كان يجعل عباس رهنا للقرار الأمريكي سابقا شارف على الانتهاء، فعدم ثقته بالزعماء العرب الذين قد يتخلوا عنه إذا ما تخلت عنه الولايات المتحدة وأوقفت عنه الدعم المباشر وغير المباشر والدعم الغربي قد انتهى بعد الثورات العربية التي أتت وستأتي بجهات حاكمة تأخذ بعين الاعتبار الغضب الشعبي الذي قد يتصاعد إذا ما سارت  على النهج السابق، وربما تكون قادرة على مد يد العون لعباس إذا ما أدار ظهره للولايات المتحدة و إسرائيل وأقبل على المصالحة.
5.      ضرورة العودة للأمم المتحد للمطالبة بعضوية كاملة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويجب أن تكون هذه المرة السلطة محققة سيطرتها على كامل الأراضي الفلسطينية، وفئات المجتمع والشعب جميعا خلفها، حتى لا يتسنى لأي جهة أخذ الانقسام ذريعة لرفض طلب العضوية.
      أما فيما يتعلق بحركة حماس فقد تكون أسباب توجهها نحو المصالحة بصدق هذه المرة هي:
1.      بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة أصبحت حماس ليست مجرد تنظيم مقاوم وإنما حزب سياسي له أهداف سياسية معلنة بالسلطة، إلى جانب أن مؤسساتها كبرت وتطورت وتحولت إلى حكومة فعلية بموظفين ووزراء وأجهزة أمنية وعسكرية، إضافة إلى جسد الحركة الذي ربما كبر بتدافع الأجيال، أما فيما يتعلق بجهازها العسكري فهو أصبح منظومة عسكرية متكاملة، الأمر الذي يعزز ثقتها بقدرتها على حكم وإدارة ما هو أكثر من قطاع غزة في المستقبل، وهذا ربما يتحقق بالانتخابات حاليا أو بتغير المنهج والبرنامج والعلاقات الخارجية فيما بعد.
2.      بعد الوهن الذي أصاب المحور الإيراني – السوري ويتبعهم حزب الله وحماس نتيجة الثورة الداخلية في إيران والهجوم الأمريكي- الغربي- الإسرائيلي الدبلوماسي الإعلامي على إيران، والثورة الشعبية في سورية التي فرضت على حماس البحث عن بديل للمكان، وبناء عليه أصبح لزاما على حركة حماس الخروج من هذا المحور سالمة وإيجاد جهة ممولة غير إيران وجهة مستضيفة غير سورية، هذا يدفعها للتوجه نحو العرب الذين أولى اشتراطاتهم  إتمام المصالحة.
3.      علو أفول تنظيم الأخوان المسلمين في الدول العربية بعد ظهور نتائج الثورات العربية، حيث نجح حزب النهضة الإسلامي في تونس، وصعود نجم الإخوان في باقي البلاد العربية وتحديدا مصر، وبداية قبول أمريكي – غربي للإخوان، وبداية تشكيل علاقات جديدة على أسس واسعة قوامها استبدال الدكتاتوريات القديمة البالية بحكم إسلامي معتدل جديد قادر على الوفاء بالتزاماته وقادر على بسط السيطرة الأمنية والإيفاء بتعهداته، وربما يكون لحماس الفضل في تقديم النموذج الإخواني الأول حول قدرة الوفاء بالالتزامات الأمنية من خلال تحقيق الهدنة والمقدرة على السيطرة الداخلية من خلال بسط الأمن، وبما أن حماس هي جزء من هذا التنظيم الإخواني الكبير الذي باتت ملامح علاقة تزاوج جديدة بينه وبين الولايات المتحدة والغرب تظهر للملأ، إذن هناك احتمالات كبيرة وربما إيحاءات من الولايات المتحدة بأن تكون حركة حماس (التنظيم الإخواني) هي البديل لحركة فتح في السلطة والشريك القادم لإحلال السلام، وهذا يحتم على حماس الخروج من الدائرة الفئوية الصغيرة لتبدأ بحوار وحديث مختلف عن سابقه وتذهب باتجاه الضفة عن طريق المصالحة أو الانتخابات.
4.      ضعف موقف السلطة الفلسطينية بعد إخفاق معركة أيلول الدبلوماسية وتلويحها بحل السلطة أعطى انطباع لحركة حماس بأن مرحلة فتح ومنظمة التحرير بشكلها الحالي قد انتهى وأن المرحلة القادمة من نصيبها، وفي رد محمود الزهار القيادي في حركة حماس على تصريحات قيادات من السلطة بإمكانية حل السلطة (بأن ليس لأحد الحق في حل السلطة ومن يجد في نفسه عدم المقدرة عليه التخلي عنها)، يوضح أن حماس ترى في نفسها المقدرة على استلام زمام السلطة، ولكنها يجب أن تتسلمها هذه المرة بطريقة شرعية وتوافق ورضا شعبي لتنال الرضا العربي والدولي.

حماس سوف تتنازل عن فكرة دولة قطاع غزة لأنها كمشروع إخواني ناجح أصبحت تريد الوطن وهذا سوف يدفعها للمصالحة.
وردا على التساؤل حول إمكانية تقبل إسرائيل لتواجد حمساوي في الضفة؟، نعم إسرائيل قد تتقبل مشاركة حماس في المؤسسات الأمنية إذا ما تم التوافق على شكل المؤسسات وحجم تسليحها وقادة هذه المؤسسات، وأهم من ذلك إذا ما تم التوافق بين فتح وحماس على البرنامج والمنهج مثلما صرح الرئيس عباس، فإذا ذهب أبو مازن تجاه مربع حماس خطوة أي تجاه المقاومة فعلى حماس أن تقدم خطوة مقابلها تجاه مربع أبو مازن أي تجاه  المفاوضات وإن كان بشروط، وقبل ذلك حماس أقرت للمنظمة إمكانية التفاوض تحت بند إعطاءها فرصة، أيضا تدخل مصري – إخواني مستقبلي لإعمال هدنة طويلة الأجل في الضفة على غرار تجربة غزة إذا ما نجحت حماس في الانتخابات قد يقرب وجهات النظر.
لا يوجد في السياسة (لا يمكن، لن، مستحيل، لا يجوز) فإذا تم تلاقي المناهج والبرامج بين حركتي حماس وفتح قد تتلاقى وجهات النظر حول كل شيء.
الناس بحاجة للمصالحة وفتح وحماس بحاجة لها أكثر لتحقيق أهداف وطموحات محتملة التحقيق، كما أن إتمام المصالحة يهدم الجدار العازل الاجتماعي الذي شيده الانقسام في كل بيت وفي كل شارع.