الاثنين، 8 يوليو 2013

جماعة الإخوان المسلمين وتاريخ الصراع في مصر



جماعة الإخوان المسلمين وتاريخ الصراع في مصر
د. صلاح الوادية
للإخوان المسلمين تاريخ حافل بالأحداث والصراعات، ولنبدأ بالنشأة، حيث نشأت جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 على يد المرشد الأول المؤسس حسن البنا، وكان الهدف المعلن من تشكيلها نشر التعاليم الدينية والتمسك بها وتفقيه العباد، وكان واضحا من أهداف النشأة المعلنة الغيرة على الدين الإسلامي الذي كان يواجه قصوراً آنذاك حسب رؤية الإخوان.
وخلال بضع سنوات ومنذ عام 1938 باتت الجماعة تتدخل في كل شاردة وواردة في الحياة اليومية العامة السياسية والاجتماعية و الإقتصادية في مصر، بل لفظت الدستور وأوضحت أن الدستور الواجب اتباعه هو القرآن.
ولم يكتفي حسن البنا بذلك بل راسل حكام العالم العربي والإسلامي وناداهم بالعمل على دفع المسلمين للتمسك بإسلامهم من خلال العمل بخمسين مطلب حددها خطابه.
إن المتتبع لتاريخ الإخوان يلاحظ أنه منذ السنوات الاولى للنشأة وحتى الان والجماعة تمر بل وتدير صراعات مع كل الحكام الذين مروا على مصر بل وخلافات شديدة مع معظم القوى السياسية من الوفد وصولاً إلى حزب النور السلفي الذي كان حليفهم بالأمس، ولتتبع ذلك نمر سريعاً على الأنظمة المختلفة منذ ظهور الإخوان حتى وقتنا هذا وعلاقة الإخوان بهم.
أولا: نظام الملك فاروق.
كانت العلاقة وطيدة بين جماعة الإخوان والقصر وكان للجماعة حرية العمل حتى باتت تنافس شعبية حزب الوفد نتيجة توسعهم الكبير شعبوياً، إلى أن وقعت أحداث التفجيرات وإلقاء القنابل والذي تم اتهام الجماعة بها، وعلى أثرها ونتيجة لقلق الملك من توسعهم، تم حل الجماعة وبعدها أُغتيل البنا الأمر الذي بعث بالطمأنينة في صدر الملك، ولم تعد الجماعة للعمل إلا عام 1951.
ثانيا: نظام جمال عبد الناصر.
ساندت الجماعة الضباط الأحرار في ثورة 32 يوليو، وكانت علاقتها مميزة بقيادة الثورة لدرجة أن مجلس قيادة الثورة حل جميع الأحزاب ما عدا جماعة الإخوان المسلمين لأنها قدمت نفسها في حينه على أنها جماعة دينية دعوية لا تهتم بمجال السياسة ولا تهتم بالحكم ولا الإنتخابات.
وسرعان ما بدأت المواجهة مع عبد الناصر، عندما طالبت الجماعة ضباط الثورة العودة للثكنات وإعادة المدنية والنيابية للبلاد، وذلك على أثر رفض عبد الناصر عرض تقدمت به الجماعة بالتدخل في قرارات مجلس قيادة الثورة والتعديل عليها بما يتلائم والشريعة، وفي 26 أكتوبر 1954 تعرض عبد الناصر لمحاولة إغتيال على يد أحد المنتمين للجماعة مما دفع بقيادة الثورة لشن حملة إعتقال  واسعة في صفوف الجماعة وإعلان حظرها، إضافة إلى إعدام بعض من قياداتها ومفكريها وعلى رأسهم سيد قطب المفكر الأول للجماعة.
ثالثا: نظام أنور السادات.
تحسنت علاقة الجماعة بالسادات بعد سياسة المصالحة التي اتبعها عقب توليه السلطة وتبييض السجون وإغلاقها، وأعطى الجماعة مساحة جيدة من حرية العمل والرأي، حتى جاءت اتفاقية كامب ديفيد للسلام 1977 التي عارضتها الجماعة أيما معارضة، الأمر الذي اضطر معه السادات لاعتقال معضم الفاعلين السياسيين للجماعة وباقي القوى السياسية، وتضييق الخناق على الجماعة، على أثر ذلك تحركت مجموعة من الإسلاميين القريبين من الإخوان لاغتيال السادات وقد نجحوا في ذلك عام 1981.
رابعا: نظام محمد حسني مبارك.
على غرار سابقيه بدأ مبارك عهده بمصالحة وطنية شاملة طالت كل القوى السياسية وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، واستمر الوفاق بين السلطة والجماعة ما يقارب عشرة سنوات، وكان هناك مساحة لا بأس بها من الحرية في العمل للإخوان، حتى بدأت الجماعة معارضة حكم مبارك بحجة علاقته ببعض الدول الغربية والشيوعية واسرائيل.
وبدأ النظام يشن حملات اعتقال واسعة وموسمية زادت على أثرها الفجوة بين النظام والجماعة، وكثفت الجماعة أيضاً من نشاطها المعارض وصدامها مع النظام.
وأذا تأملنا الرصد السابق لتاريخ الجماعة مع السلطة نجدها أنها بدأت علاقتها مع كل الحكام بوفاق نتيجة سياسة الحكام في بداية عهدهم، ثم تنقلب العلاقة إلى صراع وخلافات ومعارضة شديدة نتيجة الإعتراض الدائم لسياسات الحكومة وإصرار الجماعة التدخل في الشأن السياسي للنظام، وهو الشئ الذي ما رفضته جميع الأنظمة التي عاصرها الإخوان.
كما نلاحظ أن الجماعة عندما اختلفت مع القصر في عهد الملك فاروق مهدت إلى استخدام العنف والتفجيرات، وفي عهد عبد الناصر حاولت الجماعة اغتياله شخصياً ولكنها فشلت، وفي عهد السادات نجحت جماعة إسلامية قريبة من الإخوان إغتيال السادات، أما في عهد مبارك فنجد مصر في فترة التسعينيات شهدت أحداث عنف كبيرة راح ضحيتها الكثير من الأبرياء وتلك التفجيرات اتهم فيها الإخوان، وهذا يدعونا إلى القول أن أقصر الطرق لتحقيق أهداف الجماعة في الفكر الإخواني هو العنف والإقصاء.
الصراع والخلاف الذي رسمته جماعة الإخوان كخيار أول لها مع السلطة إنسحب على علاقتها مع القوى السياسية حتى المتفقة معها على معارضة النظام، فهي ترفض كل التيارات والقوى السياسية غير الإسلامية مثل الليبراليون والعلمانيون والشيوعيون والناصريون والفديون وغيرهم بل وتكفيرالبعض منهم، وحتى القوى السياسية الاسلامية التي تختلف معها ترفضها أيضاً وتهاجمها مثال ذلك خلافها مع حزب النور السلفي الذي انسحب من التحالف الإسلامي لنصرة شرعية مرسي وطالب بانتخابات مبكرة، حيث هاجموه بأشد وأغلظ الألفاظ وهاجموا بيوت بعض قياداته، بل وكفره بعض قيادات الإخوان.
وفكرة الرفض الإخواني تعود إلى المؤسس حسن البنا الذي رفض الحزبية وأعلن عداءه للأحزاب السياسية وأعتبرها نتاج أنظمة مستوردة ولا تتلاءم مع البيئة المصرية وأنه لا حزبية في الاسلام، على اعتبار أن جماعة الاخوان المسلمين ليست حزباً وإنما جماعة دينية دعوية.
عقب ثورة 25 يناير أسس الإخوان حزب الحرية والعدالة وتم انتخاب محمد مرسي رئيساً للحزب من قِبل مجلس شورى الإخوان، وفي 24 يونيو 2012 تم إعلان فوز محمد مرسي برئاسة مصر، وهذا الذي طالما طمحت إليه الجماعة منذ بداياتها وهو التأثير في السلطة على الأقل وصولاً لسدة الحكم، وقد تحقق لها ذلك أخيراً، ولكن الإخوان أخطأوا كعادتهم فهم تعاملوا على أنهم وحدهم في الساحة السياسية والسلطوية المصرية وتجاهلوا الجميع الجيش والأحزاب والشعب، وكانت قراراتهم منفردة والتشكيلات والتغيرات التي قام بها الرئيس مرسي لصالح الاخوان من حيث أخونة المؤسسات والمحافظات والحكومة وإهانة الجيش بإقالة قادته وعدم استشارتهم في أمور الحكم، وفشل الحوار مع القوى السياسية، وشعور الإخوان بأنهم ليسوا بحاجة للقوى السياسية لإدارة الدولة، وتمرير جماعة الإخوان لدستور يتناسق مع فكرها باستفتاء طعنت القوى السياسية بصحته، وعدم أخذ وإحترام آراء الأقباط في ذلك الدستور، وتشكيل حكومة بأغلبية إخوانية، وعدم مقدرة مرسي على إحتواء المؤسسة الأمنية متمثلة في الداخلية ومهاجمتها لفظياً، والمواجهة مع الصحافة والإعلاميين نتيجة عدم إكتراث مرسي لهم بل ووصفهم بمنتهكي القانون، ومعاداته للمعارضة من خلال خطاباته التحريضية والاستخفافية بهم، ووصف حركة تمرد والشباب في الميادين بالفلول مما زاد من غضبهم عليه.
وسيطرة خيرت الشاطر العقل الاقتصادي للجماعة على الكثير من المصانع والبضائع والوكالات وزيادة ثروته بشكل مهول حتى وصلت مليارات.
كل ذلك مرده فكرة الهيمنة لدى جماعة الإخوان كتنظيم قوي متماسك قادر على إدارة حكم البلاد منفرداً، دون حاجته لأحد، ولفكرة تكفير الآخر التي تلازم الجماعة.
على الإخوان مراجعة حساباتهم وطرق تعاملهم مع الآخر وسبل عيشهم وانتشارهم بين الناس، كما عليهم احترام عقول الاخرين وعدم اللعب بالدين والقدسية الإلهية، وإعادة ترتيب صفوفهم للسباق الإنتخابي القادم، والذي يجب أن يتم في اطار من المناقشة بمحبة وقبول وإلغاء فكرة الرفض من منهجهم.
إن عزل الجيش لمرسي جاء نتيجة لاستفتاء شعبي واسع وكبير وغير مسبوق، من خلال الملايين التي طافت في الشوارع والميادين، وفكرة الشرعية هي ملك للشعب وللشعب ولا يجب أن تستخدم ضده، فالأصل في الديمقراطية هي رضى الشعب لا إرغامه وإلا بماذا اختلفت الديمقراطية عن الاستبداد والدكتاتورية.
وإذا سلمنا بأن عزل مرسي إنقلاب، فإن الجماعة هي من بدأت بالإنقلاب على الشعب عندما سرقت الثورة بعدما لحقت بها متأخرة، وهي التي خطفت الحكم لها وحدها ولم تشرك به الثوار ولا القوى السياسية ولا الشعب، وهي التي جعلت من أصدقاء الأمس أعداء اليوم.
أتمنى أن لا يعودوا الإخوان لأسلوب تعاملهم المعتاد مع الأزمات، وأن ينبذوا العنف عملاً لا قولاً، وأن يعودوا لينسجموا في النسيج الشعبي والوطني المصري، ولا يكونوا هكذا منفردين كمن يغني خارج السرب.