الثلاثاء، 11 أكتوبر 2011

فلسطين الوطن .. ودولة فلسطين


كنت أطالع مقال جميل للزميل ناصر اللحام الذي نقلني من غزة إلى دول الكاريبي وإلى حقب زمنية مضت, وخلال قراءتي للمقال استوقفتني بين السطور (فلسطين التاريخية) ووقفت مع ذاتي برهة ثم عدت لأستكمل قراءة المقال ولكن تلك الكلمتان لم يغادروا ذهني حتى بعد أن خرجت من البيت, فعندما أسمع الآخرون أو حينما أكتب أنا فلسطين التاريخية أشعر بأنني أتحدث عن شيء ذهب بلا عودة لا الآن ولا مستقبلا، وكأنني أسمع الدولة الرومانية أو الحقبة العثمانية أو شيء ذهب أدراج الرياح ولا نبكي عليه ولا نحاول إحياؤه دوما إلا في ذكرى النكبة التي باتت تمر مرور الكرام, هي دولة في التاريخ كانت فيما قبل واليوم من يتحدث عن وجوب وجودها أو عودتها كحق له أصول إنما هو خرف لا يفهم السياسة جيدا ولا يعي الواقع.
لنعد سويا إلى 1891 حينما بدأ ثيودر هرتزل يشكل أفكاره الصهيونية الخاصة بإقامته وطن قومي لليهود نتاج ما تعرضوا له من اضطهاد في أوروبا, هو لم يفكر بداية في فلسطين وإنما فكر بوطن قومي لليهود ورغم أن فكرته لم تنجح في حياته إلا أنها عاشت وترعرعت وكبرت وتحققت بعد موته, هذا الحالم الصهيوني حلم بوطن وعمل جاهدا ليحققه ولكن الأهم من ذلك أنه كان مقتنعا في قرارة نفسه وأقنع الآخرين من يهود وصهيونيين ودول عظمي بأن اليهود يجب أن تكون لهم دولة, وفيما بعد من ساروا على نهجه وقناعاته اقنعوا العالم بأنهم أصحاب حق في فلسطين وأن لهم هنا تاريخ وهيكل وحائط مبكى وصنعوا لهم تراث وجعلوا أصحاب الأرض الذين تم اغتصابهم واغتصاب أرضهم يعترفون بهم والأنكى من ذلك أن ننسى فلسطين ونطالب بجزء يسير منها, هذا هو الطموح اليهودي.
وإذا تمعنا جيدا في الحديث الرسمي للسلطة الوطنية ولمنظمة التحرير الفلسطينية وفي المفاوضات وأمام الأمم المتحدة نجد أن الحديث كل الحديث يدور حول الأراضي المحتلة عام 1967, وإقامة الدولة الفلسطينية على حدودها ومحاولة إقناع العالم ليل نهار بمقعد كامل العضوية, والاستماتة في المطالبة بالحق الفلسطيني المتمثل بأراضي 1967, ومعنى ذلك أننا إذا حصلنا على دولة في حدود الرابع من حزيران 1967 فإننا سنوقع لإسرائيل على مصوغة بكامل وباقي أراضي فلسطين وبهذا ستحصل إسرائيل على مصوغة قانونية وسند قانوني بتنازل الفلسطينيون عن معظم الأراضي الفلسطينية مرة واحدة والى الأبد ( ليس معنى هذا أنني أعارض إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 ولكن لنمعن في التسميات ولنعلي سقف مطالبنا).
الإسرائيليون يستميتوا حتى لا نحصل على اعتراف دولي بدولة فلسطين ومقعد كامل العضوية في الأمم المتحدة, حتى لا يجبرهم القانون الدولي والمجتمع الدولي من الانسحاب من الدولة التي يحتلونها في حال حصولنا على دولة, وهم يعلمون جيدا أن سقف هذه الدولة المنشودة الأراضي الفلسطينية المحتلة  عام 1967 أي ما يقارب 22% فقط من فلسطين وفي المقابل لا يقبلون ويتعنتون ويجابهون ويعتبرون ذلك أم الكوارث، وأنا مستغربا جدا من غبائهم وتعنتهم الذي سيقتلهم فأصحاب الأرض يعطونك ما يقارب من 80 % من أرضهم بسلام مقابل أن تترك لهم 20 % لا تسمن ولا تغني من جوع والإسرائيلي يرفض, لماذا؟ لأن طموحه أكبر من ذلك ويتعدى فلسطين, أما نحن فطموحنا جزء يسير من الأرض وجزء يسير من السكان الأصليين، وحجتنا في ذلك أننا ضعفاء.
ليكن ذلك ولتكن الدولة المنشودة وأنا أؤيد وبشدة إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 ولكن بلا تنازل عن باقي فلسطين ولنسمي الأمور بمسمياتها ليس من أجلنا وليس لليوم إنما من أجل الغد وأجيال قادمة قد يكون عزمها أقوى من عزمنا وقد تكون ظروفهم أفضل منا وقد يكون طموحهم أكبر من طموحنا, فبدل أن ننادي أمام المجتمع الدولي بحقوقنا داخل أراضي 1967 لنطالب بحقوقنا التي سلبت عام 1948، لنطالب ببيوتنا هناك ومساجدنا وكنائسنا هناك، لنطالب بحيفا ويافا وعكا وصفد، لنطالب بحقوق أجدادنا, بدل أن نخبر أولادنا بأننا نصارع لأجل دولة على حدود 1967, كيف سيعطينا الإسرائيلي دولة بكامل حدودها التي نطالب بها وسقف طموحاتنا ضئيل, علينا أن نطلب الكثير لنأخذ الأقل, علينا أن نعيد ذاكرة العالم إلى ما قبل 1967, إلى ما قبل 1948، حينما كانت فلسطين كل فلسطين للفلسطينيين، وهؤلاء الحفنة الذين أنشئوا دولة أسموها إسرائيل داخل فلسطين إنما هم غزاة وليسوا أصحاب أرض, إن المحرقة الإسرائيلية المدعاة كانت قبل إقامة إسرائيل ولكنهم كل يوم يعيدوا ذكراها أمام العالم أجمع ويبكوا عليها هم وأطفالهم وشبابهم ليكسبوا تعاطف العالم ونحن ننسى المذابح والجرائم ولا نذكرها وكل ما نذكره اليوم دولة في حدود 1967, أكاد أجزم أن مفاوضنا الهمام في أي مفاوضات قادمة سوف يتنازل عن 50 % من ما يطالب به اليوم وأكثر.
يجب علينا أن نخبر العالم قصتنا وكيف بدأت لا إلى أين وصلت, كم كان حجم أرضنا وحلمنا وكيف تضاءلت الأرض وتقزم الحلم, علينا تغيير خطابنا الرسمي لتدخل في كل مكوناته فلسطين، حتى مناهج أبناؤنا يجب أن تدخل فيها فلسطين, والطامة الكبرى قبل أيام وقع بين يدي  كتاب من المنهاج الفلسطيني ووجدت فيه للأسف خارطة الأراضي الفلسطينية وهي غزة والضفة والغربية, أين نحن من الحلم الإسرائيلي لنطالب بدولة, نحن على الأرض ونطالب بجزء منها وهم كانوا مشردين وطالبوا بها كلها, نحن أصحاب حق مؤكد وتاريخ قريب لم ينسى بعد على هذه الأرض وندرس أبناؤنا تاريخ مغلوط وجغرافيا مشوهة, وهم لا تاريخ لهم ولا حق لهم ويعلمون أبناؤهم أن هذه الأرض كل الأرض هي الوطن القومي التاريخي لليهود .
في وجداني ووجدانك ووجدان الساسة الفلسطينيون جميعا تسكن فلسطين ولكننا على ما يبدو نظرا لضعفنا وقلة حيلتنا بتنا نخجل أن نذكرها أو نطالب بها فمن بطالب بها اليوم  في ظل موازين القوى الحالية وفي ظل البطش والغطرسة والتعنت الصهيوني إنما هو مجنون أو غبي سياسيا, فلسطين ليس تلك التي نطالب بها وإذا أردنا أن نحصل على ما نطالب وما هو طموحنا وسقف غاياتنا وأحلامنا لنطالب بفلسطين التي تقع بين نهر الأردن شرقا والبحر الأبيض المتوسط غربا, وبين الحدود اللبنانية الجنوبية شمالا ورأس خليج العقبة جنوبا ومساحتها ما يقارب 27000 كيلومتر مربع, وعاصمتها القدس العربية  لا شرقية ولا غربية.
تلك هي فلسطين التي يجب أن نذكرها ونذكر العالم بها، وأنا لا أتكلم عن خيال وإنما طول نفس وتفاوت أجيال وحق لا يموت ولا يفنى بالتقادم, قد نأتي بدولة فلسطينية على حدود 1967, وقد يأتي آخرون منا بدولة على جزء تحرر من الأرض الفلسطينية كما يعتقد, ولكن يوما ما ستأتي فلسطين الوطن بنا أو بغيرنا, وعندما نأتي بدولة على مقاس خاص هذا شأننا وشأن جيلنا ولكن ليس من حقنا أن نورث هذا الحلم الأعرج لأبنائنا على أنه الوطن، لأن الوطن هو فلسطين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق