الاثنين، 14 فبراير 2011

العربي



يعيش الوطن العربي بوحداته السياسية المكونة له حالة من عدم الإستقرار السياسي  والاجتماعي والتردي في أحوال سكانه الإنسانية، فتسمية هذه الرقعة من الأرض التي تسكنها الشعوب العربية  'بالوطن العربي' لم تكن إعتباطية بالمطلق ولا تسمية تلك الشعوب الممتدة من آسيا إلى أفريقيا بالشعوب العربية لا أساس لها بل هو تاريخ مشترك ولغة واحدة وثقافة واحدة وإلى حد ما ودين واحد، بل وأكثر من ذلك، إن ما يجمعهم هو أكثر من مجرد لغة، فالعديد من شعوب هذه الدول تتكلم لغة ثانية أساسية إلى جانب العربية ولهجات مختلفة كلياً قد لا يتم فهمها من قبل عربي من قطر عربي آخر، ورغم أن الدين الإسلامي هو من وحد هذه الامة تاريخياً، إلا أن الترابط تجاوز ذلك فأصبح العربي المسيحي أقرب إلى العربي المسلم من غير العربي المسلم وتربطه به ألفة رائعة، ونعلم أيضاً أن الثقافة متشابهة في جذورها ومختلفة أيضاً بعض الشيء ولكنها اليوم تتباعد نوعاً ما نتيجة الإختلاط بالدول غير العربية المجاورة ونتيجة الفترات الطويلة من الإستعمار الذي عانت منه بعض الدول العربية وكاد أن يذيب العربي بثقافته وشتت بين ثقافة بعض الدول العربية، لذلك هناك ما هو أكبر من ذلك يربط بين هذه الدول هذه الوحدات التي يتكون منها هذا الوطن الإفتراضي هذا الوطن الدافئ المغلوب على أمره.

حقيقةً لم أكن أعلم تماماً ما هي هذه الأشياء ولكني بعد أن شاهدت ما يحدث في تونس وتألمت له، وتابعت مايحدث في مصر والفوضى العارمة التي تعتري شوارعها الطيبة إعتصرت ألماً، وترقبي الشديد الدائم للوضع في لبنان والتنافس بين الأكثرية والمعارضة والنزول إلى الشارع وخوفي من عودة الأمور إلى فترات سوداء في تاريخ لبنان عنوانها حرب أهلية، وعندما أشاهد إنفصال السودان يصبح واقعاً وأعلم أن هذا الجزء العربي المنفصل ربما يغرد بعيداً عن السرب العربي أشعر أن جزءاً من جسدي ينسلخ بقسوة، وكثيراً ما بكيت على العراق وما آلت إليه أحوال أهله، حينها علمت أن هناك أشياء كثيرة قوية وكبيرة تربطني بهذه الاراضي البعيدة عني وبهذه الشعوب التي ربما لم أقابلها من قبل وإن كان البعض يعزي ذلك إلى الجوار التاريخي فلماذا لم نشعر بذلك تجاه الدول الأفريقية غير العربية أو الدول الآسيوية المجاورة لنا أو لماذا لا تستطيع الشعوب العربية جميعاً تقبل الوجود الإسرائيلي بجانبها على أساس أنها دولة جوار.


هذه الاشياء التي تربط الشعوب العربية هو قلب واحد كبير يدق في جسد هذه الامة إذا مرض يتداعى له كل الجسد وإذا مات يموت معه هذا الجسد، هذا القلب موجود بداخل كل عربي بل هو قلب كل عربي، فتتألم السيدة اليمنية عندما يموت طفلاً مقهور في العراق، وتبكي السيدة المصرية عندما يقتل الدرة في فلسطين، وتنتحب كل نساء العرب عندما تداس كرامة الأبطال في العراق وفلسطين، وينكسر الرجال العرب عندما تنتصر إسرائيل على الجيوش العربية في 1967، وترقص فرحاً عندما تحقق نصراً على إسرائيل عام 1973، وكلنا نتضرع شاكرين إلى الله عندما تنتصر المقاومة اللبنانية على إسرائيل صيف 2006، وتصرخ كل الحناجر العربية وتذرف الدموع على أطفال غزة أثناء حرب غزة 2008، أليس هذا قلب واحد ودم واحد وعرق واحد، لا قوة لأي دولة عربية بعيداً عن المجموع العربي ولا تقدم ولا إستقرار لأي دولة عربية وهناك ألم وفقر وإحتلال في دولة عربية أخرى، صحيح أن التاريخ الواحد مهم ولكن الأهم الحاضر والمستقبل المشترك.

الكثير من المفكرين والكتّاب والعلماء العرب يتحدثون عن عدم وجود أمن قومي عربي وأنه فكرة وهمية، وأن الدولة الوطنية القطرية هي الفكرة المستحوذة عليهم، وإنشاء دول قومية على غرار القوميات الأوروبية هي طموح، وأن جامعة الدول العربية هي شئ من التراث أو مجرد منظم للعلاقات بين هذه الدول، وأن فكرة القومية فاشلة وأضعفت الدول العربية وأنها لم تنجح في ذروتها فكيف لها أن تنجح الآن في ظل وجود فكرة التدخل التي يفرضها النظام العالمي الجديد وفي ظل ثورة الإتصالات الهائلة وسيطرة العولمة والانفتاح الكبير في كل نواحي حياتنا، ربما يكون هذا صحيح ووجهة نظر تصلح لهذا الزمان ولكن يا أصحاب وجهة النظر هذه أين أنتم من سيدة فلسطينية تخرج في غزة على الإعلام أثناء حرب غزة وتقول أين أنتم يا عرب؟ فيرد عليها العرب بمسيرات جماهيرية تضامنية في كل بقاع الأرض، حتى العرب المهاجرين إلى الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية رغم أنهم حصلوا منذ زمن على جنسيات غير عربية وانسجموا في مجتمعاتهم الجديدة ولكن عندما صرخت هذه السيدة يا عرب شعروا في داخلهم أنها تقصدهم وهبوا لها، لماذا عندما تقع ثورة شعبية في تونس تمتد لتطال مصر ويخرج على أثرها معظم الحكام العرب ليعلنوا عن إصلاحات فورية والبعض يعلن عن عدم ترشحه لمرحلة مقبلة، لأن الثائر في تونس هو نفس الثائر في اليمن ومصر والصامت هنا هو نفسه الصامت هناك، هو العربي، فكيف يمكن أن لا يكون أمننا واحد، كيف يمكن أن يلحق ضرراً بذلك السوري دون أن أشعر بأذى وضرر في نفسي كيف يمكن أن تحتل العراق وتنتهك ويبقى هناك ثبات ورفاهية وإستقرار في باقي الدول العربية، ربما هذا ليس زمن العربي ولكن يبقى كل فرد فينا هو العربي وجميع تلك الدول هي الوطن العربي، حتى يعود زمان العربي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق