الخميس، 17 مارس 2011

15 آذار عرس فلسطيني

قبل أيام قليلة من الخامس عشر من آذار أثير حوار على عجالة بيني وبين أحد الأصدقاء حول ما سيحدث يوم 15 آذار, كنت متحمساً جداً ومندفعاً بطريقة غير اعتيادية حينما أخبرته رداً على سؤاله ماذا سيحدث ؟ إن يوم 15 آذار سيكون عرساً وطنياً بامتياز؛ لأن كل فئات المجتمع سينزلون إلى الشارع، صحيح أن العدد لن يكون كبيراً فالقليل سيخرج عن صمته وينزل إلى الشارع، وستكون بداية موفقة يُبنى عليها الكثير فيما بعد, صديقي بدوره رد على انفعالي بأنه لن يخرج أحد من بيته ومن يخرج سوف يضرب ويعاقب أو يعتقل وإن زادت الأمور عن حدها سوف يستعمل السلاح لفض أي تجمع. بالطبع صديقي لم يكن يتحدث عن توقعات أو قراءات للموقف؛ ولكنه كان يتحدث بثقة وبطريقة نرجسية متهكماً من ثورة ضد الانقسام قد تولد من صفحة إلكترونية في عالم افتراضي في حين أن الواقع ملئ بدروس البطش والخوف والقمع, فمن سيخرج سيكون منتمي لأحد التنظيمين المنقسمين .. طبعاً بقي الرهان بيننا على 15 آذار وانتهى الحديث.
جاء يوم 15 آذار وقررت أن أخرج للشارع لأسباب ثلاثة أولها: حتى أرى ما سيحدث فعلاً وهل سيكون هناك حشد وإن كان كذلك أريد أن أرى كيف سيتم التعامل معه، ومن هم هؤلاء الذين كسروا حاجز الصمت, أما السبب الثاني: فكان خجلي من أمي وإخواني الذين اعتادوا منذ نعومة أظافري بأنه لا يمكن أن يمر يوماً وطنياً أو مناسبة وطنية أو إضراباً أو مواجهات مع الاحتلال إلا أن أكون أول المشاركين به, خفت أن يعتقدوا بأنني جبنت مع مرور الوقت أو أصبحت شخصاً ثرثاراً فقط لا يجيد سوى الكلام, أما السبب الثالث فهو عندما جلست مع نفسي وأنا أدرس احتمالات ما سيحدث يوم 15 آذار وكان من بين الاحتمالات التعرض للضرب والاهانة والاعتقال وربما ما هو أكثر من ذلك، سيطرت علي لحظات من الصمت والتوقف عن التفكير ربما هي لحظة موت سرعان ما تلتها حياة أخرى, وإن يكن فما الجديد في ذلك. فالفلسطيني طوال عمره معرض لكل أشكال العذاب وكل شخص فينا يعلم أنه شهيد حي، نعم أعلم أن اهانة الأخ أقسى بكثير ولكن الوطن يستحق، حينها يوم 15آذار تركت هواجسي خلفي وخرجت، وجدت الشوارع غير تلك التي اعتدت عليها، وشمساً غير الشمس التي تشرق كل صباح، وجدت أرتال من البشر تلاحق بعضها، وجدت وجوهاً غير الوجوه التي اعتدت أن أراها وعيون لا تنظر يميناً أو يساراً ولا تعرف العودة إلى الوراء، منطلقة إلى الأمام تسبق الخطوات وتطارد الوقت تريد أن تلحق بمن سبقوا, وجدت أحراراً نفضوا عنهم غبار اليأس وانتفضوا، وجدت ثواراً لعنوا صمتهم ومضوا نحو الحرية, وجدت نفسي أسابق نفسي أريد أرى ما لم أتوقع, وما أن وصلت مكان التجمع المعلن عنه على صفحة الفيس بوك حتى تكلل ناظري بما يسر كل ناظر، شباب صغير مقبل على الحياة غاضب ساخط يريد أن يوقف عجلة الوقت؛ لكي لا يفوته ويرى مستقبله يهرب منه في زحمة الانقسام.
وجدت أمهاتنا واقفات يتحسرن على حرية جلبتها لنا دماء أبناءهن ونحن نهدرها بيدنا, يلعنوا كل مسئول عن لحظة وحدة فقدت, يلعنوا الوقت الذي تركنا فيه ثورتنا ومقاومتنا لنختصم على عرش كاذب واهي, بالطبع لهن الحق في ذلك فكل شهيد سقط دفاعاً عن دينه ووطنه وعرضه يلعن الانقسام والمنقسمين الذين أداروا ظهورهم له ولتضحياته وعبثوا في الوطن وسلامته.
كان العلم الفلسطيني شامخاً سامقا معتد بتفاصيله وشكله البهي, كان يملأ المكان ولا يوجد سواه ظاهر, وكانت الأرض تزغرد فرحاً بأحرارها التي لم تعتد على فراقهم، وعادوا إليها, كان الوقت خارج الوقت، والزمن خارج معايير الزمان.
أربعة أعوام من الانقسام والفرقة ولدت جيلاً جديداً, جيل لم يشهد بطولات تلك الفئة ولم يشهد ثورات تلك, جيل كبر على انقسامكم ولم يرى منكم سوى القبح وتقسيم الوطن وشرذمته وتغليب المصلحة الفئوية على المجموع الوطني, ولم يشاهدكم ترفعون العلم الفلسطيني وإنما شاهدكم تتظللون تحت رايات وألوان زادت من شين صورتكم.
هذا الجيل رغم كل سخطه عليكم ورغم اعتقادكم بأنه لم يتربى على الأخلاق الثورية وبأن مصدر ثورته هي بدعة واستيراد خارجي لم يتطاول عليكم ولم يقل لكم ارحلوا ولا حتى بأنه يريد دوراً  في إدارة وطنه، كل ما نادى به أن تنهوا الانقسام, ألا يستحق منكم الاحترام؟!!!
وخلال ولوجي بين الأحرار لامست مشهداً غريباً, إخوان لنا يرفعون رايات حزبية ولهم تجمعات أخرى، وكان يسود الموقف نوع من الحذر والترقب فشباب 15 آذار لا يريدون أي رايات غير علم فلسطين وهؤلاء مصرون على رفع رايات حزبهم حتى انتهى الموقف بأن غادر شباب 15 آذار إلى مكان آخر. ليس ما فات هو المشهد الغريب ولكن بعد رحيل الشباب المطالبين حقاً بإنهاء الانقسام شعرت بأن معظم من يرفعون الرايات يريدون أن يلحقوا بهم وأن يضعوا راياتهم جانباً ويحملوا علم وطنهم وليس راية فئة من هذا الوطن, شعرت بأنهم غضبوا فهم مثل مجموع الحاضرين يريدون لهذا الانقسام أن ينتهي ولكن فئة قليلة تستأثر بالقرار، ورغم ذلك شاركوا وصرخوا لا للانقسام وإن كان الجميع يعتقد أنهم ينفذون أجندة حزبية ولكنهم تواروا خلف ذلك واخرجوا ما في صدورهم من سخط وغل على الانقسام ومن يمد في عمره.
الزميل ناصر اللحام قدر عدد من نزل إلى الشارع بحوالي مليون شخص في قطاع غزة والضفة الغربية، العدد سليم ولكن معنوياً فقد نزل إلى الشارع كل فلسطيني في الوطن وخارجه فهناك مليون حر يجوبون شوارع الوطن مطالبين إنهاء الانقسام, وملايين أخرى كانت تتمنى أن تخرج ولم يمنعها سوى الحدود، وجزء من داخل الوطن يمنعه سنه ومرضه من النزول وجزء يمنعه رايه وجزء يمنعه جبنه وقلة حيلته على قلتهم.
إن يوم 15 آذار حقق الهدف المرجو منه وكسر حاجز الصمت وحاجز الخوف الذي صنعه المنقسمون ووضع الشباب على بداية الطريق فهم عرفوا طريقهم وكيفية الخلاص ولن يثنيهم شيء عن حقهم بعد الآن, ولن ينفع بعد اليوم الالتفاف على مطالب الشعب أو تجاوزها.
يوم 15 آذار بحق كان عرساً وطنياً فاق توقعاتي وأحلامي وتوقعات الجميع, في ذلك اليوم تحرر العقل الفلسطيني ورسم أجمل لوحات الحرية وملأ الشوارع بنفحات الصدق والوطنية, ما أجمل الشباب وما أعظمهم بارك الله لنا فيهم وأدامهم للوطن!!
أما أنتم أيها المنقسمون أعتقد أنكم فهمتم جيداً رسالة الشباب، حيث أن دعوة الأخ إسماعيل هنية للأخ أبو مازن واستجابة الأخير لتلك الدعوة دليل واضح عن أن حركة 15 آذار حققت أكثر مما هو مطلوب منها, يا أيها المناضلون والشرفاء ويا تاريخنا خلصونا من هذا الانقسام قبل أن تنتهي أحلامكم وأحلامنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق