الثلاثاء، 19 يوليو 2011

د.فياض: محاسبة الفاسدين أولى من التقشف

منذ أن نشأت السلطة الوطنية ونحن نسمع بظاهرة الفساد الإداري والمالي ومرات عديدة لمسنا هذا الفساد ولاحظناه وربما عانينا منه كلٌ في موقعه وكلٌ حسب حجمه، فقديما عانينا من البلطجة والخاوة وظاهرة بطش المرافقين بالناس، وبسط نفوذ زوجات وأبناء وبنات المسئولين على عباد الله العاديين، وكثيرا ما دعا المظلومين(حسبي الله ونعم الوكيل)، وسابقا كان المناط به محاسبة الفاسدين هو نفسه يحتاج الى محاسبة، مثل النائب العام ورئيس هيئة الرقابة وغيرهم، ولكن هذه المرحلة من تاريخنا انتهت، أو كنا نعتقد أنها انتهت .
كنت قد قرأت تقرير حول الفساد للصحفية سلوى الرنتيسي تحت عنوان (فلسطين: مبالغ تصرف على حساب الشعب وسرقة للمال العام دون رقيب)، حيث ذكرت العديد من التجاوزات المالية بالأرقام وبسندات الصرف لوزراء في حكومة فياض ولقادة ومسئولين في الضفة الغربية، وليس الأمر يقف هنا وإنما كانت سندات الصرف تعود لمحافظين سابقين ولأبنائهم ونتريات بآلاف الشواكل، والطامة الكبرى أن تقريرها يركز على وزارة الشؤون الاجتماعية التي هي بالأساس تعنى بالفقراء والمحتاجين والمساكين وليس كبار المسئولين في السلطة والوزراء وليس دفع فواتير تلفون وكهرباء السيدة الوزيرة، كما أن التقرير ذكر أشخاص يشار لهم بالبنان، إلى هذا الحد نحن مخدوعين بكم ؟ إلى هذا الحد المال يعمي؟ إلى هذا الحد لا توجد رقابة؟
فيما بعد ردت الوزيرة ماجدة المصري على هذا التقرير بنفيه، رغم أنها أوردت في بيانها الصحفي العبارة التالية (بغض النظر عن صحة ودقة ما ورد في التقرير)، وهذا يعني أنها معلومات بها شيء من الخطأ وشيء من الصواب، وفيما بعد أكدت الوزيرة المصري أن رواتب الوزراء عالية وتفوق احتياجاتهم في ظل وجود بدلات ونتريات (وشهد شاهد من أهلها).
سواء كان التقرير السابق صحيح أم غير ذلك فالحق يقال والتجربة خير برهان أن هذا التقرير غيض من فيض من فساد المسئولين الذين يتقنون السرقة ونهب المال العام، ويستسهلون مال الفقراء لأن القانون  يحمي تصرفاتهم، فالوزيرة ماجدة المصري وهي تقوم بنفي التهم المنسوبة لها ولوزارتها تقول (فيما يتعلق بصرف فواتير هاتف وكهرباء وإيجار المنزل المفروش الذي تقيم فيه الوزيرة في مدينة رام الله لأغراض العمل، وكذلك فاتورة هاتف منزل وكيل الوزارة، قالت المصري إن هذا الصرف يتفق مع النظام القانوني الفلسطيني وتحديداً المواد 70،58، 57من النظام المالي للسلطة).
الحق معك معالي الوزيرة فالوزير أو وكيله لا يستطيع دفع فاتورة هاتفه الشخصي من راتبه الضئيل، وطالما أن هذه البنود يغطيها القانون فلا بأس في ذلك (اتقوا الله).
لا تقف الأمور فيعند المساعدات التي تصرف في غير محلها، أو الراتب الخيالي لوزراء تحت الاحتلال، أو دفع فواتير كبار المسئولين، ولكن الأمر يتجاوز ذلك بكثير ليصل إلى دلع الزوجات وتسابقهن في المصاريف والبزخ والبهرجة، وتعلم الأبناء في أفخم المدارس والجامعات الأوروبية والأمريكية، وسيارات بالجملة، حتى المرافقين وزراء أكثر من وزرائهم وهذه الأمور كلها قديمة جديدة، فالفساد في سلطتنا القابعة تحت الاحتلال لا يزول وإنما يبد ملابسه.
نأتي إلى البدلات، فالوزير أو السيد المسئول إلى جانب راتبه الضئيل يأخذ مجموعة من البدلات لتعينه على الحياة، فهو يخدم وطنه لذلك يأخذ بدل مهمات، ويرفع رأس وطنه لذلك يأخذ بدل بُدل، ويفسح وطنه لذلك يأخذ بدل سفر وتذكرة سفر، ولأنه قائد طبعا يصرف له بدل قيادة، ولأنه أحسن من الشعب كله يأخذ سيارات وبنزين للسيارات، وبيت ملك وبدل إيجار، وفواتير غذاء وعشاء، وزوجة ثانية، ويقوم البعض بتوظيف بيبي ستر للكتاكيت على بند مدير، وحدث ولا حرج (إن لم تستحي فأفعل ما شئت).
د.فياض لقد طلعت علينا بمخطط جديد لحماية السلطة وحماية الدولة القادمة من الانهيار ولتستطيع الصمود لذلك يجب علينا أن نتقشف أسوة بمجموعة من الدول  التي عانت من الأزمة المالية، ونحن نتفق مع معاليك ولكن قبل أن يتقشف المواطن العادي وقبل أن يتقشف الموظف البسيط والمتوسط، وقبل أن تبدأ التقشف برواتب الموظفين، عليك أن تبدأ التقشف في وزارتك، ابدأ من وزرائك وكبار المسئولين وكبار الموظفين، لماذا راتب الوزير 3000 دولار ويأخذ نتريات وبدلات بما لا يقل عن هذا المبلغ، لا يجب أن يكون المسئول مدير عام أو وكيل وزارة أو مسئول كبير أو وزير وأبناؤه وزوجته قد اقتربوا من درجته الوظيفية، اسحب السيارات والأراضي والشقق المترامية، لماذا أبنائهم يدرسون في واشنطن بدلا من بيرزيت والنجاح، معالي رئيس الوزراء ابدأ بمن معك وحولك ووزارتك وليكن التقشف تنازلي لا تصاعدي ونحن نقبل به عن طيب خاطر لا مرغمين.
أيها السادة المسئولين عليكم أن تكونوا مثل الناس وبينهم وتحيوا حياتهم لأن مردودكم إليهم ولأنكم منهم أو كنتم منهم، ولأن الله يعلم جيدا ما لكم وما عليكم فإذا تذاكيتم على القانون فلن ينفعكم ذكائكم أمام الله .
أحد الكتاب أحال تقرير الفساد الذي نشرته الزميلة سلوى إلى تصفية حسابات بين المسئولين، وبأنه في غير ميعاده لأن توقيته يخدم إسرائيل ويخلق لها ما تتذرع في أيلول، أقول لزميلي الكاتب إذا كان هذا فعلا تصفية حسابات فليكن ويقوموا بكشف ساحاتهم وذممهم النجسة بشكل أكبر والمستفيد من ذلك هو الوطن والشعب، ولما لا يكون هناك تعديل وزاري حقيقي قبل أيلول ولنذهب إلى أيلول بأيادي نظيفة وقادة حقيقين لا مختلسين، ويبقى قولنا الحاضر دوما (حسبنا الله ونعم الوكيل).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق